يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرباً ضروساً داخلية، يشترك فيها أطراف كثيرة كبعض المؤسسات الإعلامية والحزب الديموقراطي وبعض المنظمات المدنية، وذلك اعتراضاً على بعض سياسات ترامب ومحاولة النيل منه، إما بشكل قانوني في بعض القضايا كعلاقته بروسيا قبل انتخابات 2016م، أو عدم كشفه لسجله الضريبي أو غيرها, أو بشكل عام للتأثير على الرأي العام، وذلك سعياً للإطاحة به في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020م. إضافة إلى ذلك ما تعانيه إدارة ترامب من كثرة الاستقالات، والتي كان آخرها وأكثرها تأثيراً استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس اعتراضاً على سياسات ترامب الخارجية. وبالرغم من كل هذا الضغط والتأثير القوي على ترامب وإدارته للبيت الأبيض, إلا أنه مصر على السعي قدماً لتحقيق سياساته الاقتصادية والأمنية مهما كلفه الأمر.
وتعتبر المشكلة الحالية (الإغلاق الجزئي للحكومة) محكًا حقيقيًا وتماسًا مباشرًا لفرض الكلمة ومن تكون له الغلبة بين ترامب والحزب الديموقراطي الذي انتزع الأغلبية في مجلس النواب في الانتخابات النصفية الماضية. وجاء سبب هذا الإغلاق الذي فرضه ترامب - ويعتبر الأطول في تاريخ أمريكا - لرفض مجلس النواب الموافقة على تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك الذي كان ترامب قد وعد ببنائه في انتخابات 2016م، والذي يراه ضرورة وطنية لمحاربة الهجرة غير الشرعية والحد من تهريب المخدرات. وبسبب طول الإغلاق الحكومي، ظهر ترامب قبل فترة ووجَّه خطاباً للشعب الأمريكي يشرح أسباب تمسكه ببناء الجدار، ومقدماً حلاً أو تسوية للحزب الديموقراطي لكي يقبل بمشروع التمويل, وهو ما رفضته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قبل أن يلقي ترامب خطابه, ليعطي ذلك مؤشراً خطيراً على عدم قرب حل الأزمة، وبالتالي استمرار الإغلاق الحكومي الذي قد يؤدي لغضب الشارع الأمريكي وبالتالي قد يؤثر على ترامب بصفته المسؤول الأول عن إدارة البلاد.
وللخروج من هذا المأزق فإن ترامب قد هدد بإعلان حالة الطوارئ، وهو الأمر الذي يمكنه من الحصول على التمويل لبناء الجدار وإنهاء الإغلاق الحكومي وبالتالي حل المشكلة. قانون الطوارئ الوطنية يمنح الرئيس الأمريكي الحق في إعادة توجيه أموال الحكومة دون موافقة الكونجرس, كما يسمح له بتمرير بعض القوانين أثناء العمل بحالة الطوارئ. ويمكن للرئيس الأمريكي أن يعلن حالة الطوارئ إذا رأى أمراً يهدد الأمن القومي، وهو ما يراه ترامب في هذه الحالة التي أكد فيها ضرورة بناء الجدار بسبب وجود مجرمين وتجار بشر يدخلون عبر الحدود, كما أن هناك كميات مخدرات كبيرة جداً تمر عبر الحدود للولايات المتحدة. وفي حال إعلان حالة الطوارئ فإن ترامب يستطيع الحصول على الأموال اللازمة لبناء الجدار من خلال أموال غير مستخدمة في ميزانية مهندسي الجيش الأمريكي، أو من خلال أموال تمت الموافقة عليها في مشروع قانون يوفر الإغاثة في حالات الكوارث لبورتوريكو وتكساس وكاليفورنيا وفلوريدا.
إعلان حالة الطوارئ أمر ليس بجديد على الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت في حالة طوارئ مستمرة منذ عام 1979م عندما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتير حالة الطوارئ لتجميد الأصول الإيرانية بعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران. وفي عام 1996م أعلن الرئيس بيل كلينتون حالة الطوارئ بعد أن أسقط الجيش الكوبي طائرتين أمريكيتين مدنيتين قبالة السواحل الكوبية. وبسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حالة الطوارئ التي منحته سلطات واسعة لتعبئة الجيش وإعلان الحرب على الإرهاب.
يبقى السؤال الأهم هو هل سيقوم ترامب بإعلان حالة الطوارئ وإنهاء الأزمة أم لا، خاصة بعد أن رفع عن الإغلاق الجزئي للحكومة لمدة ثلاثة أسابيع. يبقى الأمر معقداً وصعباً من حيث اتخاذ القرار الذي قد يكلف الرئيس سمعته واهتزاز صورته واتهامه بالتهور في استخدام صلاحيات عليا لا حاجة لها والقيام ببعض القرارات التي لا ترقى لحالة طوارئ، وبالتالي هدر المال العام وتعمد تهميش مؤسسات الدولة في الاستشارة واتخاذ القرار, وهو ما قد يكلف الرئيس عدم الفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية عام 2020م.
** **
- عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية