إن الحديث عن الشيخ العلامة محمد بن ناصر العبودي (أدام الله عليه الصحة والعافية) حيث بهذه العُجالة لن نوفيه حقه كرجل تقلد عدة مناصب قيادية ورجل عالم وباحث في تاريخ نجد ومنطقة القصيم خاصة وهو رمز من رموز الباحثين في المملكة العربية السعودية على مدى أكثر من 60 عاماً قضاها بالقراءة والبحث والتوثيق والتأليف من أجل أن يترك إرثاً تاريخيا للأجيال القادمة ولم تثنه تلك المناصب القيادية التي تولاها عن البحث والاطلاع بل كانت مصدراً لعلمه الواسع وهذا إن دل إنما يدل على حبه وعشقه لتراث نجد ومنطقة القصيم وخاصة مسقط رأسه مدينة بريدة.
ولا ننسى مكتبته العامرة التي بها الكثير والكثير من الوثائق والمخطوطات وأمهات الكتب التي هي جزء لا يتجزأ من فكره وثقافته وعلمه وعشقه لتاريخنا.
حيث نجده دائما في مجلسه العامر وخاصة كل يوم اثنين من كل أسبوع.
وهو مجلس علم بل هو منبر من منابر العلماء وحين يبدأ حديثه الممتع والشيِّق يسود بذلك الصمت في مجلسه وقاراً واحترامًا وإجلالاً لفكره وعلمه فهولاء العلماء عندما يتحدثون تغمرهم السعادة بذلك.
والشيخ العبودي -حفظه الله- امتاز عن غيره ببساطته وتواضعه وأدبه الرفيع النابع من فكره وثقافته وخلقه.
وهو مستمع يأخذ المعلومة بصدر رحب لمن كان بمجلسه وذلك بعد انتهاء محاضرته التي هي خلاصة أمهات الكتب.
بل من تواضعه يقوم بتدوين كل ملاحظة أو سؤال يطرح عليه بل يطلب من السائل أن يزوده بمصدر المعلومة.
وهو لا يبخل بعلمه لا للعالم ولا طالب العلم حيث كثير من الكتّاب استفادوا وأخذوا من الوثائق والمخطوطات وأمهات الكتب التي بحوزة شيخنا العبودي كمرجع لمؤلفاتهم فهذه مدارس العلماء التي نأخذ منها.
ولا ننسى جانب آخر من حياته العلمية في أدب الرحلات التي بدأها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب على مدى ثلاثة عقود مضت والتي لم تثنه عن القراءة والكتابة والبحث والتأليف بل أصبحت رحلاته إلهاماً ومصدراً للتأليف من خلال مشاهداته شعوباً ذات ثقافة وفكر مختلف عن ثقافتنا وفكرنا، حيث ألف العشرات من الكتب عن رحلاته الخارجية وتُرجم الكثير منها لعدة لغات أجنبية، حيث أبدع شيخنا أشد الإبداع بتأليف هذه الكتب حيث رسم لنا صورة كاملة عن تلك الدول وعاداتها وثقافتها وشعوبها بأسلوب أدبي لغوي سهل وشيق ورصين مما جعل القارئ يعيش مع سلسلة لهذه الرحلات، فشيخنا العلامة -حفظه الله- لم تثنه وظيفته أو المناصب القيادية التي ترأسها عن التأليف.
بل انفرد وامتاز عن كثير ممن سبقوه في عصرنا بهذا المجال حيث الكثير من العلماء قلَّ إنتاجه بسبب انشغاله بعمله الوظيفي.
ومن جانب آخر من شخصية عالمنا الجليل حيث تميز بنصحه الدائم بمجلسه العلمي بأن طالب العلم يلزم الصمت بمجالس العلم ولا يكون هو حديث المجلس، وحدثني ونصحني -حفظه الله- بعد انتهاء مجلسه العلمي عندما كنت في مجلسه منذ سنوات مضت وقال لي إنه (أي الشيخ) على أكثر من خمسين عاماً لم أتصدر حديثاً في مجلس عام.
فالحديث عن العلامة الشيخ العبودي حديث طويل لم ينته وبذلك تكريماً له ولعلمه يحتاج منا البحث العلمي والدراسة في بحر علمه الواسع ومؤلفاته ومكتبته وشخصيته كعالم، وأن تقف عليه بذلك إحدى المؤسسات العلمية الرسمية المهتمة بتاريخ المملكة المعاصر.
فهو من الرعيل الأول من الباحثين والمهتمين بتاريخنا (تاريخ نجد وخاصة منطقة القصيم) ورمزاً من رموز علمائنا الأفاضل المعاصرين بالمملكة العربية السعودية.
وبالله التوفيق
** **
- ناصر بن إبراهيم الهزاع