د. أحمد الفراج
لا أحد على وجه الدقة يستطيع أن يسبر شكل العلاقة، التي تربط الرئيس ترمب بالرئيس الروسي بوتين، وزاد الأمر تعقيدًا ضغط الإعلام الأمريكي، بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي تؤكده كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ويجري حوله المحقق الخاص، روبرت مولر، تحقيقًا موسعًا، للبحث عما إن كان لترمب دور في هذا التدخل، وغني عن القول إن مولر استغرق وقتًا طويلا في تحقيقاته، واستجوب معظم المقربين من ترمب، وهذا أمر يغضب الأخير ويؤرقه، فهو يتهم مولر بأنه يستقصد تشويه صورته، في ظل العلاقة المتوترة بين الرجلين، ولا يراودني شك في أن مولر أطال أمد التحقيق، انتظارًا لما تسفر عنه الانتخابات النصفية، على أمل أن يفوز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلسي الكونجرس أو أحدهما على الأقل، وهو الأمر الذي تم.
لا تخطئ عين المتابع أن الرئيس العنيد وقوي الشخصية، دونالد ترمب، يستأسد على الجميع، بما في ذلك زعماء أوروبا الكبار، ورئيس الصين. هذا، ولكنه ليس كذلك مع قيصر الكرملين، فهو يتعامل معه بحذر شديد، ولا يطلق تصريحات ضد الروس، إلا عندما يكون مضطرًا لذلك، وتكون تلك التصريحات غالبًا ناعمة، وهو الأمر الذي لا يتواءم مع شخصيته الحادة، وتصريحاته وتهديداته النارية ضد الجميع، ومع أن هناك تسريبات تشطح بعيدًا، وتزعم بأن الروس يملكون أفلامًا ووثائق يبتزون بها ترمب، إلا أن ترمب يسخر من ذلك، وينفي أنه في حالة إذعان غير مفهومة لزعيم الكرملين، ولكن لو رجعنا إلى تصريحاته، وسلوكه أثناء لقاءاته مع بوتين، خصوصًا ما حدث في فنلندا قبل مدة، فإن الأمر يبدو مريبًا للغاية.
هل نستطيع أن نربط بين قرار ترمب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وبين علاقته الغامضة مع بوتين، أي أن الأمر تم باتفاق بين الزعيمين، فبوتين، كما نعلم، يعتبر سوريا أرض نفوذ روسية في غاية الأهمية له، وإن كانت هذه القراءة صحيحية، فهل انسحب ترمب من باب الثقة والعلاقة الوطيدة التي تربطه ببوتين، أو أنه فعل ذلك نتيجة ابتزاز روسي، كما سيزعم رواد نظرية المؤامرة، التي تحدثت عنها في بداية المقال، وإذا كنا تحدثنا عن ابتزاز روسي محتمل، فلا بد من الحديث عن وجهة نظر ترمب، إذ يكرر أنه لا يفترض أن يكون عدائيًّا ضد روسيا وبوتين، ليثبت أنه لا علاقة له بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، كما يقول إنه يؤمن بأن العلاقة الطيبة مع بوتين والتفاهم معه أفضل من العدائية والصدام، ولكن خصومه يقولون: «لماذا إذاً لا تستخدم ذات الإستراتيجية «البوتنية» مع بقية زعماء العالم؟!، وأنت عزيزي القارئ ماذا ترى؟!