تقديم المترجم: هنا ورقة قيمة للباحث مايكل فاركوار، أستاذ مساعد في العلوم السياسية، جامعة لندن. ونشرت الدراسة في مارس 2016. وهي مقتبسة من أطروحته للدكتوراه عن التعليم الديني في السعودية. وسوف نختصر اسم الجامعة الإسلامية بالمدينة ليصبح «جاسمد» في الورقة:
تأثير ارتفاع سعر النفط
الهائل على ميزانية «جاسمد» وتوسعها
وفي حين أن خطط توسيع الجامعة كانت موجودة بشكل كبير منذ أواخر الستينيات، إلا أن توسعها الهائل الحقيقي يجب أن يفهم في سياق ما سمي بـ «حظر النفط» عام 1973 الذي أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط ونمو هائل في الاقتصاد السعودي. وبعد أن كانت ميزانية «جاسمد» ترتفع ارتفاعاً طفيفاً وتدريجياً منذ عام 1961، فقد تضاعفت فجأة «خمسة أضعاف» تقريباً خلال سنتين في أعقاب ارتفاع سعر النفط، حيث قفزت الميزانية من 40 مليون ريال سعودي تقريباً في عام 1975 إلى أكثر من 196 مليون ريال في عام 1976م. وبعد انخفاض طفيف، شهدت ميزانية الجامعة قفزة فلكية مجدداً من 180 مليون ريال سعودي تقريباً في عام 1979 إلى ذروة مذهلة بلغت 381 مليون ريال في عام 1982. (10) وتزامنت هذه القفزة الهائلة الثانية مع ارتفاع آخر في أسعار النفط، بسبب الثورة الإيرانية في عام 1979. وجاءت تلك الزيادة في سياق تأكيد جديد على الخطاب الديني في الفضاء السياسي وزيادة الإنفاق على المشاريع الدينية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت. وكان الهدف من تلك النفقات الضخمة تقوية اسس النظام القائمة على الشرعية الدينية، لمواجهة التهديدات الجديدة التي شكلتها إيران الثورية، وكذلك وبشكل خاص بعد حادثة اقتحام المسجد الحرام في مكة من قبل جماعة مسلحة بقيادة جهيمان العتيبي (...). وكان جهيمان قد حضر سابقاً بعض الدروس في «دار الحديث» في المدينة، قبل أن تندمج في «جاسمد» وقبل الشروع في مساره القتالي وانضمامه إلى «الجماعة السلفية المحتسبة» (11)
وبعد أن وصلت الميزانية تلك القمة، انخفضت انخفاضاً حاداً على مدى فترة الركود الاقتصادي الذي أصاب المملكة العربية السعودية من عام 1982 حتى منتصف الثمانينيات، عندما انتهت المرحلة الأكثر دراماتيكية للأزمة الاقتصادية.
ومنذ البداية، كانت «جاسمد» تحت السيطرة المحكمة للمؤسستين الدينية والسياسية في السعودية، وحتى في فترات هيمنة الأجانب على هيئة التدريس، كان يرأس «جاسمد» دائماً شخص سعودي. ففي البداية، ترأسها رسمياً محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي عام المملكة؛ ولكن رئيسها الفعلي في تلك السنوات الأولى بحكم الأمر الواقع كان هو ابن باز، مفتي المستقبل، حيث كان ابن باز هو نائب الرئيس ابن إبراهيم المقيم في المدينة المنورة. وتولى ابن باز منصب رئيس الجامعة رسمياً بعد وفاة ابن إبراهيم في عام 1969. (12) وبقي في هذا المنصب حتى عام 1975. (13) وبعد ترك ابن باز منصبه، تولى إدارة الجامعة الشيخ عبد المحسن العباد، الذي تخرج في كلية الشريعة في الرياض والذي كان يُدرس في «جاسمد» منذ افتتاحها، ورأسها بعد ذلك من أواخر السبعينيات عبدالله الزايد. وفي بداية الثمانينيات، تولى الرئاسة د. عبدالله بن صالح العبيد، الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ولاية أوكلاهوما الأمريكية والذي عمل في عدة مناصب تعليمية في الدولة السعودية. (14) وخلفه من منتصف التسعينيات صالح بن عبدالله العبود، الذي حصل على درجة الدكتوراه من «جاسمد» وعمل في عدة مناصب تدريسية وإدارية لعدة سنوات فيها. (15)
وبخلاف تلك المراتب العليا، كانت نسبة كبيرة من هيئة التدريس في «جاسمد» خلال العقود الأولى هم من خارج المملكة العربية السعودية. ففي بداية الثمانينيات، على سبيل المثال، كان هناك فقط 149 أستاذاً سعودياً في هيئة التدريس التي بلغ مجموع أعضائها 376 (أي ما يعادل 40 في المائة تقريباً من هيئة التدريس)، ويشمل عدد السعوديين أفراداً ولدوا في بلدان أخرى، ومن ثم استقروا في المملكة وحصلوا على الجنسية السعودية. وكان أكثر من نصف الأجانب مصريين مع عدد كبير من السودانيين وغيرهم من الشرق الأوسط الأوسع وشمال وغرب أفريقيا وجنوب آسيا بل وحتى أستراليا. (16) وكان ضمن الأساتذة الأجانب أعضاء من حركات إسلامية مثل «جماعة الإخوان المسلمين»، و»جماعة أنصار السنة المحمدية» المصرية و»أهل الحديث» الجنوب آسيوية. وحصلت شخصيات مرتبطة بتلك الحركات على مواقع في المجلس الاستشاري للجامعة، الذي كان يعمل مثل مجلس إدارة، وسمح لـ»جاسمد» بأن تستفيد من فكر وسمعة شخصيات رفيعة المستوى من العلماء والمثقفين من مختلف أنحاء العالم. ومن الشخصيات التي شاركت في المجلس في دورته الأولى عام 1962، على سبيل المثال، المفكران الإحيائيان الهنديان أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن على الندوي والعالم السلفي محمد سالم البيحاني من عدن، والعالم المتخصص في الحديث ناصر الدين الألباني، والداعية الإخواني العراقي الشهير محمد محمود الصواف.
وبالرغم من الفوائد الهائلة لكوزموبوليتانية هيئة التدريس (أي عالميتها وتنوع جنسياتها) في العقود الأولى، فإن «جاسمد» تأثرت بعد ذلك بجهود النظام السعودي لإحكام السيطرة على نظام التعليم في المملكة بعد حرب الخليج عام 1991، وما تلاها من تزايد في نشاط الحركة الإسلاموية السعودية في مطلع التسعينيات.
هوامش المترجم:
(*) لم يتم حظر كامل للنفط، وكل ما جرى هو مجرد «خفض» تدريجي لإنتاج النفط سمي إعلاميا بـ «حظر النفط» بسبب دعم بعض الدول الغربية لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973. وكان ذلك الحظر، في الأساس، قد بدأ بقرار لخفض إنتاج النفط تدريجيا أعلنته منظمة أوابك، وبدأ بخفض مقداره 5% في الإنتاج وتزيد النسبة شهريا بشكل تراكمي واستمر لبضعة شهور. وسُمّي ذلك الحدث إعلاميا بصورة غير دقيقة بــ «الحظر النفطي» (Oil Embrgo)؛ وهو ما أوهم البعض بأن النفط قد حظر 100% تماما وفورا، وهو أمر غير صحيح مطلقا. (العيسى)
يتبع
** **
د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com