يحدث، أن يستيقظ أحدنا من نومه وهو بحالة مزاجية متعكرة، قد تلازمه هذه الحالة الشعورية لسويعات، وقد تمتد إلى آخر يومه...
وكثيراً ما كنت أتساءل عن الدافع الحقيقي خلف تلك الحالة المزاجية المفاجئة؟!، ولا أجد إلا تحليلات طبية منقولة أو أجوبة سطحية متداولة، كاضطراب هرموني، أو عدم أخذ قسط كافٍ من النوم...
البحث في مسألة الأولوية في السبق، حول: هل الفكرة تجلب الشعور، أو الشعور من يسوق الأفكار ويهيمن عليها، حيرتني كثيراً، لكني لم أطل في الوقوف عليها، إذ على الأقل وبملاحظتي المقصودة وتجربتي الشخصية تبين لي أنني وبمجرد أن أفتح عيني فإني أسمح أولاً للأفكار المحبوسة داخل ذهني بالتدفق. ولذا فإنه في المقابل فإن جلب فكرة مسموعة ومقدسة كذكر الله وحمده بأن أذن لي بيوم جديد، أقوى من يوقف سيل انجراف الأفكار السلبية باتجاهي لأقوى على النهوض صبيحة كل يوم...
تجاهل الحالة المزاجية المُعكِرة، قد ينجح أحياناًً لدى البعض، ولكنه يبقى ذا أمد قصير في التأثير، إذ لا تلبث برهة، حتى تباغتك الحالة الشعورية من جديد.
اعتياد ممارسة الحضور العميق، بالانتباه الواعي لما عليه الإنسان في مكانه وأوانه، ذو بعد شفائي في تأثيره، وما حياة الإنسان إلا سلسلة من اللحظات المتراصة كل واحدة منها تسوقك لأختها.
يوصي بعض المهتمين بمتابعة تيار الوعي الروحي، بتقنية المراقبة؛ ففي حال ظهور الحالة الانفعالية من التعكر المزاجي على السطح، فتقنية مراقبة التنفس المنتظم يساعد على تهدئة العقل المفكر، ومن ثم إمكانية الانفصال عن الحالة الشعورية والاكتفاء بمتابعتها حتى تمر، وإن كانت تدرج كتقنية لم نعتدها في ثقافتنا وممارساتنا؛ وغير مألوفة على ردود أفعالنا الشعورية، إلا أنه إن نجح بعضهم في عملية الانفصال، حقيقة وليس تظاهراً، فإنها لا تمنع الحالة من معاودة الزيارة.
ونظراً لإيماني العميق أن الله تعالى لم يشأ خلق هذه المشاعر السلبية بداخلنا إلا لخير ورسالة وحكمة، فإن تتبع منشأ هذه الرسالة بهدف قراءتها وفهمها، أكثر ما يحسم أمر هذه المشاعر، ويسمح لها بالمغادرة من غير أوبة.
فسؤال تكرر طرحه على نفسك يجيء بصيغة: لماذا؟ يسمح بنبش المخزون في (عقلك الباطن) ويأذن له بالظهور.
فمثلاً: لو كنت تنزعج كثيراً ويتعكر مزاجك لمجرد رؤية شخص ما، فاسأل نفسك هذا السؤال: لماذا يزعجني مشاهدة هذه الشخصية تحديداً؟ سيأتيك الإجابة الأولى بتدخل من النفس الإمارة سطحية ومكررة وغير دقيقة، ولكن إن اقتنعت بها فلك ذلك، ولا يمنعك من طرح السؤال مرة أخرى على نفسك، اطرحه بحزم الصادق في البحث عن الحقيقة: لماذا يزعجني مشاهدة هذا الشخص؟ أو لماذا يزعجني سماع أخباره؟ لِمَ لا أطيق حتى مجرد رؤيته؟ إن جاءك الجواب تبريراً لشعورك بتعداد ما فعله من سوء. ففي ظني هذه إجابة سطحية ومخادعة ومتعجلة تهدف للتبرير لك بإلقاء تبعة شعورك السيئ على غيرك، وهي الأخرى جاءت من المصدر نفسه: نفسك الإمارة!. أعد طرح السؤال على نفسك: لماذا.....؟ ربما يأتيك الجواب بصوت خافت تحاول النفس الإمارة إسكاته: لأن هذا الشخص حقق شيئاً عجزت عن تحقيقه. لأن هذا الشخص حظي بشيء لم أحظ به، لأن هذا الشخص يذكرني بنقصي وفشلي أو حتى سوء حظي...
إذاً ولادة هذه المشاعر تعود في جذورها لنقص بك، وأنت بدورك تتألم بشأنه في عمقك، فتعبر عنه مشاعرك بالانزعاج أو العصبية أو الغضب..
حينئذ اطرح سؤالاً آخر من قبيل: هل معيار نجاحك أو فشلك يعتمد على تحقيق ما حققه هذا الشخص نفسه؟
اطرح سؤالاً منقذاً آخر لينتشلك من حالتك تلك: ما الشيء الذي يجعلني أشعر بشعور جيد تجاه نفسي غير ما أراه في هذا الشخص؟ اسمح لنفسك بالإجابة:.......
إذاً هناك أشياء كثيرة تمنحني الفرص لأظهر أفضل ما لدي...
فالفرص متاحة، والحياة تتسع للجميع.
أو قد تأتيك الإجابة وهي لا تحمل إدانة لك على الإطلاق: باختصار لأن هذه الشخصية تمارس سلوكيات تتنافى مع قيمك الأصيلة، كأن يكون متملقاً ومنافقاً ونماماً، وسادياً، أو خاملاً واتكالياً،، وهذا يسبب لك ارتباكاً شديداً، لاسيما إذا تنفذت هذه الشخصية وحققت ما تريد فعلاً! فتولت زمام منصب قيادي، أو هبطت عليها ثروة، كميراث ضخم أو حظيت بزوج محب وثري مثلاً،،، في حين أنك لم تحقق شيئاً يُذكر، وإن ناسبك هذا التحليل؛ فتحقق من نفسك جيداً: لو كان الشخص المعني لم يظفر بشيء من أهدافه، وأصبح هملاً، هل سيزعجك مخالفته لقيمك بالقدر نفسه !. أي هل أنت منزعج مما آل إليه وليس لما هو عليه؟!.
مجموع هذه الأسئلة الغائرة في داخل النفس البشرية، قد لا تعدو بك إلا إلى صدمة في مواجهة ما أنت عليه حقيقة، إذ لن يتغير شيئاً ولن تختفي حالات التعكر الانفعالي، ما لم تعترف بتسليمك لما تصير إليه الأمور، وتتحول باتجاهه الأحداث، وتقبلك لما تتخفى أنت وراءه وتتقنع كذلك خلفه كل الأشخاص، إذ التقبل هو من يقودك إلى حالة من التعايش السلمي والانفتاح الروحي بينك، ومجريات الأحداث.
وإن كنت لا تقوى على طرح الأسئلة الذكية على نفسك، أو أنك لم تقرأ شيئاً عن ذلك، فرحمة الله غامرة؛ وذلك حين شرع لنا كثرة الاستغفار، والتعوذ به من شرور النفس، فإذا اقترن بالصدق مع النفس، وفهم منه أن الاستغفار لا يقتصر على التطهر ظاهراً، بل يتخطاه إلى التنزه عن أدران النفس الباطنة، وأحاديثه الماكرة، فإن حالاتك الانفعالية المتقلبة ستخف إلى حد كبير.
وتذكر: أن عثورك على الحقيقة لن يكون إلا بأعماقك. هي موجعة وصادمة أحياناً؛ لأنها تكشف لك مدى نقصك، وضعفك، وحجم مكرك وخداعك.