«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تُعَدُّ الغرف التجارية الصناعية من أهم الكيانات الحالية التي تهتم وتحتضن مصالح القطاع الخاص على مستوى جميع دول العالم، فمهما بلغ تقدم الدولة أو تأخرها فإنها تسعى نحو تأسيس غرف التجارة لتنمية وتطوير قطاع الأعمال بها، ولتشجيعه على القيام بالدور المنوط به في دفع عجلة التنمية الاقتصادية. وتلعب الغرف التجارية والصناعية دورًا جوهريًا في إنعاش اقتصاديات الدول من خلال دعم تنمية وتطوير القطاع الخاص، وتعزيز الاستثمارات الداخلية والخارجية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، فضلاً عن تشجيع حركة التجارة، وأخيرًا تشجيع ودعم العلاقات الاقتصادية مع الشركاء الإستراتيجيين. وعالميًا وصل عدد غرف التجارة في العالم إلى نحو 13000 غرفة، وبقسمة هذا العدد على متوسط عدد الدول ذات السيادة بالعالم (200 دولة)، يصل متوسط عدد الغرف في كل دولة إلى حوالي (65) غرفة، وبلغ عدد المنتسبين لها أكثر من 55 مليون منشأة أعمال.
وفي المملكة، ومنذ الثمانينات لعبت غرف التجارة دوراً مهمًا للغاية في تنظيم فعاليات وأعمال القطاع الخاص. وحققت الكثير من الإنجازات في قيادة قطاع الأعمال وتبني مبادراته وتعزيز إسهاماته في تنفيذ برامج التنمية الشاملة حاضراً ومستقبلاً، وهو دور يحظى بكل التشجيع والدعم.. ويكفي أن نقول إنها قامت بحماية مجتمع القطاع الخاص من انتشار الممارسات السلبية من احتكارات أو منافسات شرسة أو ظواهر غير مستحبة، وجعلت بيئة القطاع الخاص المحلي بيئة مجتمعية تتصف بالرحمة، حتى في تعاملها مع المستهلك.
ظاهرة تعالي أصوات الشباب في مجالس الإدارات الجديدة
على مستوى كل غرف التجارة وخاصة الرئيسة، ظهرت منافسة شرسة بين جيل الشباب سواء من ورثة خلفاء رئيسيين بقطاع الأعمال أو من خارجهم، مستخدمين أدوات دعائية وتسويقية جديدة لم يعتد عليها كبار رجال الأعمال التقليديين.. بل إن استحياء كبار رجال الأعمال من الدخول في منافسات مع شباب صغير السن متحمسين للقيادة عزى بالكثير منهم عن الابتعاد عن الساحة، بشكل جعل تركيبة مجالس الإدارات بغالبية الغرف تنتمي إلى فئات الشباب الجديد.
في الماضي لم نكن نتكلم أو نهتم بتأهيل أعضاء مجالس الإدارات أو أعضاء اللجان لأن خبراتهم الطويلة كانت تعوض أي ضعف في مؤهلاتهم التعليمية.
نظام الغرف الجديد .. ما بين التحديث والابتكار
طرحت وزارة التجارة والاستثمار من بضعة شهور قليلة مشروع نظام جديد للغرف يؤسس لتغييرات جوهرية على نظام الغرف التجارية والصناعية الحالي بما يتوافق مع أبرز المستجدات على الساحة المحلية والدولية، ومن أهم تلك التعديلات إنشاء الغرف حسب المناطق الإدارية وتحديد معايير لإنشاء أكثر من غرفة في المنطقة الواحدة، وتسمية مجلس الغرف السعودية باتحاد الغرف، وإعادة هيكلة مجلس إدارة الاتحاد، وتفعيل أدوار الجمعية العمومية، والذي يعد أساسًا من أسس الحوكمة، ويبرز مشروع النظام آلية لتقييم الغرف بشكل سنوي، كما يسعى مشروع النظام إلى إعادة تشكيل اللجان الوطنية والمحلية وفق ضوابط ومعايير تضمن فعالية وكفاءة أنشطتها. فضلاً عن السماح للغرف بتأسيس الشركات. وأيضًا تقييد تدخلات مجالس الإدارات في عمل الأمانات التنفيذية.
وتعتبر كل التعديلات تحديثًا لقواعد قديمة لم يتم مراجعتها منذ الثمانينات، بشكل يجعلها تعطي إضافات أو معالجات لمشكلات بدأت تظهر مؤخرًا مع المستجدات.
تعديلات النظام الجديد للتوافق مع رؤية 2030
نظام الغرف الجديد يعطي استقلالية لأمانات الغرف في تنفيذ قرارات مجالس الإدارات ومتابعة أعمالها وشئونها دونما تدخل من أعضاء مجالس الإدارات.. فالنظام الجديد يعالج وضعًا شائكًا حاليًا وهو الزيارات اليومية التي يقوم بها عدد من أعضاء مجالس الإدارات لأمانات غرفهم، لدرجة أنهم أصبحوا يتدخلون في القرارات التنفيذية اليومية سواء بتوظيف هذا أو فصل ذاك أو عقاب (س) أو مكافأة (ص)، فضلاً عن الشراء أو البيع أو البحوث أو التدريب أو غيرها .. لدرجة أن الأمانات التنفيذية أصبحت مكبلة اليدين بسبب خلافات في الرأي بين أعضاء مجالس الإدارة للغرفة الواحدة أنفسهم. وهنا يعطي النظام الجديد استقلالية لأمانات الغرف بتقييد ومنع تدخل مجالس الإدارات في شئونها التنفيذية. أيضًا النظام الجديد يؤسس لمجالس إدارات مؤهلة تعليمًا وتدريبًا، حيث وضع شروطًا لأول مرة تتعلق بالمؤهل الجامعي. أيضًا النظام الجديد يؤسس لاتحاد الغرف وليس لمجلس فقط، وهذه النقطة تحديدًا تؤسس لانطلاق اتحاد تجاري قادر على قيادة أهداف تنمية وتطوير القطاع الخاص التي تأملها وتخطط لها رؤية المملكة 2030.
النظام الجديد ومنافسة المشتركين بالغرف
النظام الجديد أعطى للغرف وأيضًا لاتحاد الغرف حقوق: التملك، والبيع، والشراء، والاستئجار، والتقاضي، والرهن، والاقتراض، وقبول الهبات.. وجميعها حقوق جديدة لم يكن منصوصًا عليها سابقًا.. وهي تعطي إتاحة وسماح للغرف وللاتحاد للقيام بأدوار ومهام في مجالات الاستثمار، وهذه الأدوار يمكن أن تحول الغرف والاتحاد لمنافس قوي وحقيقي للمشتركين. أما في المادة الثالثة البند (3)، فقد أعطى النظام صراحة للغرف حق تأسيس الشركات ضمن ضوابط معينة.. ولكن أيًا كانت هذه الضوابط، فإن النظام سيحول الغرف لكيانات أبعد من منطقة حماية مصالح المشتركين إلى منافستهم ومزاحمتهم في أنشطتهم وأعمالهم. ولنتفحص ماهية ومكونات كيانات الغرف حاليًا، سنجد أنها باتت تمتلك أجهزة إدارية قوية ومتعددة وبها أجهزة معلومات واستطلاع وبحوث وتدريب وإحصاء، وبالتالي فإنها من السهل عليها السبق للتعرف على أفضل الفرص الاستثمارية بالسوق، وهي تفعل ذلك بأموال المشتركين أنفسهم. النتيجة المتوقعة أن الغرف ستنشئ كيانات ومؤسسات وشركات قوية وكبيرة لأنها غالبًا ما تمتلك فوائض أموال كبيرة ومتراكمة، ومجالس الإدارات الغرف سيجدون أنفسهم في ازدواجية مصالح لحماية شركات الغرف أو حماية شركاتهم الخاصة.. وربما تظهر الخلافات بين أعضاء مجالس الإدارات الملاك لشركات كبرى وآخرين لا يمتلكون في هذا النشاط أو لا يمتلكون أي شركات أساسًا. هذا، ويتضح جليًا التداخل في نصوص النظام الجديد نفسه، عندما ينص في المادة (3) على حق تأسيس الشركات للغرف، وفي المادة (30) ينص على أنه لا يجوز للغرفة تقديم خدماتها لغير مشتركيها حسب المادة (30) في النظام الجديد، فالسماح بتأسيس شركات يعني أن الغرفة ستبيع وتشتري في شركاتها لجميع السكان بالمملكة في منطقتها وخارج منطقتها.. ومن ثم تكون قد تعارضت مع نص عدم جواز التعامل مع غير منتسبيها. في الاعتقاد أن النص على السماح للغرف بتأسيس شركات يحتاج مراجعة، لكي نضمن أن الغرف لن تؤسس شركات بدوافع اقتصادية ولكنها ستقوم بتأسيس كيانات في أنشطة ومجالات لا يقبل عليها المشتركون أنفسهم لأنها قليلة الربح أو لأنها تمثل خدمة عامة أكثر منها شركة ربحية. أيضًا نحتاح للنص على ضرورة موافقة اتحاد الغرف على تأسيس هذه الشركات وليس الاكتفاء بمجلس إدارة الغرفة، حتى نضمن أنها لن تكون منافسًا للشركات أو للمشتركين في مناطق أخرى. أيضًا نحتاج أن نضع ضوابط لعدم اشتعلال امنافسة بين شركات الغرف في المناطق المختلفة، وخاصة أن الشركات لا يوجد حدود لمناطق بيعها وشرائها وتواجدها.