علّه من المعروف أن المطلق الوحيد بالحياة الدنيوية: النقيضية المتجسدة في المتقابلات المتقاربة لفظاً، والمتباعدة معنى، وبالطبع هذا يسري على التجمعات البشرية، وما عداها فكل ما بالحياة مطبوع بالنسبية ترتفع وتنخفض من مجتمع لآخر بحسب مستوى وعي أفراده، وقدراتهم العقلية، والإمكانات الإنتاجية والمادية، ومدى التماثل والاختفلاف بين مكونات هذا المجتمع الأثنية والطائفية والثقافية، ونظامه السياسي، وفعلية مؤسساته.. فمما تقدَّم نخلص إلى أن البلاد العربية عانت كثيراً جداً من ضغوط تكاد تختنق بها يطول عدها داخلية وخارجية، وتوالت عليها نكسات، مضافاً إليها العامل الزمني، حيث نتج عنها: إرباك حياة المجتمعات العربية، فتشوّشت، والحالة هذه أفكار أفرادها، وقعدت مفاهيمهم، وتعطّلت قدراتهم، وتكاد تتوارى إبداعاتهم، وتختفي مهاراتهم، فكان طبيعياً أن يعجزوا عن استثمار مخزونهم الفكري والعلمي، واستلهام المعطي الحديث، وهضم ما يتأثرون به، وفرز ما يفد، بتفاعل واع.
احتماعات الأندية الأدبية!
ليس لها اجتماعات ثابتة سوى اجتماعٍ سنوي: ظل يُعقد على مدى عشرين عاماً.. حتى قبيل انتقال مسؤولية الثقافة لوزارة الإعلام حضرتُ منها: ثمانية عشر اجتماعاً، إذ درجت العادة: عقد اجتماع بينها بدعوةٍ من أحدها برعاية.. وحضور أمير المنطقة التي يقع فيها: النادي المضيف الذي يُلقي كلمة في حفل الافتتاح التي تتوّج بها التوصيات.. عدا مدينة الرياض.. فالرعاية والحضور.. والكلمة للرئيس العام لرعاية الشباب.. أو نائبه، وكانت مدة الاجتماع ما بين يومين.. وثلاثة أيام.. ويمثل كل نادٍ فيه من عضوين إلى أربعة أعضاء.. والمعتاد: أن يرأس الجلسات: رئيس النادي المضيف.. ويحضره: المدير العام للأندية.. وموظف.. أو اثنان من الإدارة العامة للأندية الأدبية.. وتوصيات هذا الاجتماع طيلة عشرين عاماً لم يوافق إلا على القليل منها.. والموافقة منها ما يدخل في صلاحيات الرئيس العام للرعاية.. وما يستدعي: الرفع للمقام السامي.. والتوصيات كثيرة.. ولكن أكثرها : مكررة..!
الثقافة والحكم الرشيد!
إن الثقافة: مفتاح الإنتاج.. والتنمية المستدامة.. وترقية الصناعة والزراعة.. وتكثير فرص العمل.. وتفعيل دور المؤسسات.. وتنويع مصادر الدخل، حيث تحفظ: الحقوق.. وتنظّم مختلف المناشط.. وتنشط الحركة.. وتروج التجارة.. وينهض الاقتصاد إلا أن كل ذلك تلزمه: الحماية.. وتحصينه من المخاطر.. والاختراقات والآفات.. وقوة تصد أعتى التحديات.. وحكمة تحبس بواعث: الفوضى والاضطرابات. وتفسد: مسالك الانحرافات.. وتحدُّ بنسبة مرتفعة من الجريمة، فكافة ما تقدم إذا لم يُحمَ.. ويحصن ويدار بالحكم الرشيد: سيتبدد ويتشتت.. ويعقم نفعه.. فهذا الحكم بالعلم والعدل.. والحكمة والحزم.. والكفاءة والخبرة.. والإصلاحات والقيم.. والرعاية الدائمة.. والمتابعة والاهتمام.. والمدى الزمني: يستتب الأمن.. ويتجذَّر تبعاً لذلك: الاستقرار.. وبه تطمئن النفوس.. وتطيب الخواطر.. ويأمن الناس على أنفسهم.. وأهلهم وأموالهم.. وتشتد العزائم.. وتبدع العقول.. ويتتالى في انعكاسات الوعي والاطمئنان على أبناء أي أمة: الإنتاج كمًّا وكيفاً.. ويغتني المعطى المعرفي.. ويرتقي التفكير.. والتعامل والسلوك.. ويشيع التنوير وتصح الأبدان.. وتقلُّ كثيراً جداً نسب الفساد.
النظام الإيراني.. الاستدعاء والتكريس!
لقد تمكَّن من استقطاب كثير من ضعاف النفوس.. والمغرَّر بهم.. فصار له في بعض البلاد العربية أعوان وصنائع يأتمرون بأمره.. وينفذون ما يكلّفهم به من جميع الطوائف والمذاهب.. وبينهم سياسيون ومثقفون وإعلاميون.. وبعضهم معروفون للأسف الشديد إما بدافع مذهبي أو أُغروا أو عن جهل بالمقاصد المخفية.. لأن الظاهر للتضليل.. ومن المقاصد المخفية القضاء على العروبة التي بمرجعيتها للحضارة العربية الإسلامية صدت أعتى التحديات، وقاومت التفرقة والتمييز، وامتازت بالتسامح، وناءت عن الشوفينية والعبثية والعدمية.. فوسِعت بذلك كل الإثنيات والطوائف والمذاهب.. وقد رحبت بما ضاق به غيرها، فهو نظام باطنه أهم وأفعل من ظاهره.. وأقواله تخالف أفعاله.. وقد احتل واضطهد على أُسس عرقية ومذهبية.. وأمعن بالتفريس.. وادّعى واغتصب.. ووعد وأخلف.. وانتهك الحقوق.. ونقض العهود.. واشتهر بعدم احترامه للاتفاقات والمواثيق على مختلف المستويات.. فبات لا يؤمن جانبه!
نظام كهذا يتعامل بكهنوتيةٍ مذهبيةٍ متشددة، ويعمل لإحضار قومية متعصبة.. ويحلم بخيال (الفردوسي) في (الشهنامة).. لا ينتظر منه غير التوتير والتفريق والتعدي بواسطة أدواته وإشاعة الفوضى.. وتصدير الأزمات.. والتخطيط لإثارة الفتن وتظليم الحياة في المنطقة العربية.. فنظام كهذا مسعور يفتقر للقيم، ويؤجج المشاعر، مدمن على التحريض وديدنه حياكة المؤامرات، وإلباس الباطل لبوس الحق، والتلوّن والكيل بعدة مكاييل.. والتدخل بشؤون الدول الداخلية.. ومناصرة الغوغائيين.. ودعم المخربين.. لا يستغرب أن تصدر عنه حماقات ويجند مدافعين عن تعدياته وانحرافاته.. ومواقفه العدائية!
** **
«إعداد» - محمد المرزوقي