د. أحمد الفراج
رحل الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الأب، ولا شك أنه يعتبر واحدًا من أفضل رؤساء أمريكا، منذ الحرب العالمية الثانية، وقد كان بإمكانه أن يحكم فترة رئاسية ثانية ويدخل التاريخ بشكل أكبر. هذا، ولكنه ارتكب غلطة العمر، التي أفقدته هذه الفرصة، وهذه ضريبة أن تكون رئيسا قويا، معتدا بنفسك، فقد انزعج بوش من ابتزاز إسرائيل لأمريكا، وأراد أن يلقنها درسا، مفاده أنها لا تسيطر على أمريكا، بل دولة صغيرة تدور في فلك القوة العظمى، مثلها مثل أي دولة أخرى حليفة، وغاب عنه، أنه لا يمكن لأي سياسي أمريكي أن يناكف إسرائيل، أو يتجرأ عليها، وإلا فإن مستقبله السياسي سينتهي لا محالة، وهذا ما حدث بالضبط، حيث أعدت ايباك خطة محكمة أطاحت به، تحدثت عن تفاصيلها في مقال سابق، نشر في هذه الصحيفة الموقرة قبل حوالي ثلاث سنوات، تحت عنوان: «بيل كلينتون: الفوز الصعب»!
بوش الأب، الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، إذ ينتمي إلى أسرة ارستقراطية عريقة، ترتبط بصلة قرابة مع العائلة المالكة البريطانية، لم يكن مثل ابنه جورج، أي بلا تاريخ سياسي يذكر، قبل الفوز بالرئاسة، فبوش الأب عركته السياسة، قبل أن يصبح رئيسا، ولذا كان رئيسًا مميزًا، قوي الشخصية، فقد انتخب لمجلس النواب، ثم أصبح مندوبًا لأمريكا في الأمم المتحدة، ثم رأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ثم عمل سفيرًا لأمريكا في الصين، ثم مديرًا للاستخبارات المركزية ( سي آي إي)، ثم ترشح للرئاسة في نهاية سبعينات القرن الماضي، وأثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، تم عقد صفقة، بينه وبين المرشح الأقوى، رونالد ريجان، على أن يصبح بوش نائبا لريجان في انتخابات الرئاسة لعام 1980، وكان نائبا يقوم بدور الرئيس تقريبا، خصوصا بعدما مرض ريجان في آخر سنوات حكمه!.
وبعد انتهاء فترة ريجان الرئاسية، فاز بوش بالرئاسة، وحصلت أحداث جسام خلال رئاسته، فقد انهار الاتحاد السوفييتي، وسقط جدار برلين، ثم حرب الخليج الثانية، ومما أتذكره عن فترة رئاسته، إذ كنت حينها أواصل دراساتي العليا في أمريكا، أنه واجه هجوما شرسا، بعد أن فشل في الوفاء بوعده لخفض الضرائب، كما لا يمكن أن أنسى إعلانه لبدء حرب تحرير الكويت، ثم وقوفه بعد ذلك مع القس الشهير، بيلي قراهام، الذي دعا للرئيس ولأمريكا بالنصر!، ومن المواقف الطريفة، قبل إعلانه بدء الحرب، أنه قال إنه سيركل «مؤخرة صدام حسين»، واستغرب المعلقون حينها استخدامه لمثل هذه اللغة، التي لا يليق نقلها في وسائل الإعلام، وهذا ما جعل المذيع الشهير، بيتر جيننقز، يعتذر للمشاهدين، بعد أن نقل عبارة بوش!، والخلاصة هي أن بوش كان رئيسا حازما وقويا، قرر أن يجابه إسرائيل ودفع ثمنا غاليا بسبب ذلك!.