كانت معرفتي بأخي العزيز الأستاذ عبدالله الشهيل رحمه الله من خلال قراءاتي لما يصدر من كتب وما يكتب من مقالات وما يقدم من برامج وما يشارك به في المنتديات وما يمثله مسؤولاً عن الشأن الثقافي في المملكة.
لكن هذه العلاقة توطدت وترسخت عندما عينت رئيساً لمجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض عام (1422هـ) ووجدت الأستاذ الشهيل نائباً للرئيس وهنا دخلت علاقتنا مرحلة جديدة قائمة على التعاون والتشاور في إدارة النادي وتنفيذ برامجه.
وكان وجود الأستاذ الشهيل في النادي يمثل دعماً كبيراً لي فهو مثقف شمولي وهو متابع وراصد للشأن الثقافي في المملكة وله رصيد عميق من الخبرة في إدارة الأندية الأدبية وأنا قدمت إلى النادي من الوسط الجامعي حيث كنت وكيلاً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضواً في الكثير من المجالس واللجان والجوائز في الداخل والخارج لكن معرفتي بالأندية الأدبية وأسرارها وأسلوب العمل فيها لم تكن كافية فكان وجود الزميل العزيز الأستاذ الشهيل - رحمه الله - خير معين لي. والمتابع والراصد للتكوين الثقافي للأستاذ الشهيل - رحمه الله - لابد أن يقف أمام مسارين مهمين: أولهما: تكوينه الثقافي والعوامل المؤثرة في ثقافته وثانيهما: توجهاته الفكرية من خلال نتاجه العلمي والثقافي المتمثل في كتبه ومقالاته.
لقد كشف لنا الأستاذ الشهيل عن خبايا تكوينه الثقافي ومراحل حياته من خلال سيرته الذاتية التي صدرت عام (1438هـ) في أكثر من ستمائة صفحة بعنوان (محطات عمر) سارداً حياته من خلال اثنتي عشرة محطة وهو يشير بذلك إلى خط سير قطار العمر في رحلة الحياة والثقافة. والشهيل يكتب سيرته الذاتية أو اعترافاته وتجلياته بكل صراحة ووضوح فيذكر الإخفاقات قبل النجاحات ولا يتردد في ذلك مما جعل سيرته الذاتية مرآة صادقة كاشفة عن نفسه معبرة عن دخيلته وسريرته دونما ادعاء للعبقرية وفي ذلك يقول (ص: 22) وبعد فهذه سيرة حياتي التي لا تزيد عن حياة أي إنسان عادي أجملتها في محطات مثلت كل مراحلي العمرية من الولادة حتى الشيخوخة وما بينهما من تنقلات متصلة ومتقاربة ومتباعدة وحفولها بسنين حلوة ومرة ومررت خلالها بتجارب وفرص كانت استفادتي منها محدودة وعشت التنوع البيئي بين البداوة والحضارة والصحراء والمدينة وسكنت الخيمة وبيت الشعر والمباني القديمة والحديثة وداخل الوطن وخارجه ومررت في نجاحات قليلة وإخفاقات كثيرة وراوحت بين الأمل واليأس والتسرع والتريث الذي كان أقرب ما يكون إلى التكاسل بالتأجيلات، ومن أحلى سنين حياتي تلك التي كنت أثناءها أمتطي الجمل والناقة وأقود السيارة وأطارد الصيد وأشاهد الأفلام والمسرحيات وبعدئذٍ السفر والقراءة. وإذا أردنا أن نقف عند مكونات ثقافة الشهيل ومصادر المعرفة عنده فسنجد في مقدمتها قراءاته العميقة المتنوعة فقد كان يتنقل في حدائق المعرفة من فنون الأدب إلى تحليلات التاريخ ورصد حركيته وسبر أسرار الأحداث العربية والعالمية. كان ذلك من خلال ما يقتنيه من كتب متنوعة وصحف ومجلات أدمن قراءتها حتى إنه ينسى نفسه وهو منسجم مع كتاب أو أسير مجلة وقد ساعده على ذلك وجوده لسنوات في بيروت والقاهرة وهما أهم محاضن الكتاب والمجلات بالإضافة إلى قدرة مالية على شراء الكتب.
والمكون الثاني هو الرحلة والتنقل فمنذ صغره وهو ما آب من سفر إلاّ إلى سفر وما ألقى عصا التسيار إلاّ ليستأنف المسيرة، فقد تنقل بين عدد من مدن المملكة وبين عدد من المدن العربية كالقاهرة والإسكندرية وبغداد والبصرة ودمشق وبيروت والدول الأوروبية وفي كل بلدة يحل فيها فإنه يبدأ رحلة البحث عن مكتباتها وصحفها ومجلاتها والالتقاء بالأعلام والمبدعين من سكانها فهو يحمل همه الثقافي وحرصه على المثاقفة أينما حلّ أو ارتحل ولذلك فإن دائرة معارفه واسعة متنوعة فله في كل بلد عربي أكثر من صديق. والمكون الثالث لثقافته هو الرصد والمشاهدة والانغماس في كل مكونات الثقافة ولذلك نجده يحدثنا في سيرته الذاتية عن عدد كبير من الأفلام العربية والأجنبية التي شاهدها والمسرحيات العالمية التي حضرها والمتاحف الكبيرة التي زارها والآثار الخالدة التي تأملها. ومن أهم مكونات ثقافته الواسعة المناصب الثقافية التي تسنمها في الإذاعة والصحافة والتلفاز وفي إدارة الشؤون الثقافية والإشراف على الأندية الأدبية في المملكة ومشاركاته في المحافل الثقافية العربية.
كل هذه المكونات - وغيرها - صنعت الشهيل المثقف الشمولي الذي يضرب بسهم وافر في كل مجالات الثقافة والمعرفة وعن ذلك يقول في سيرته الذاتية (ص: 371) لقد ناف عمر رحلتي مع الثقافة على ستين عاماً كانت تدريجية كثيرة التنوع والتنقلات وراوحت بين البطء والسرعة وكانت على ثلاث مراحل من سماتها إخفاقات وبعض النجاحات وتخللها تردد وتهاون وانطبعت بمرحلتها الأولى بالمسلي والمثير والانجذاب خلف البهرجة والبريق وظللت خلالها لا أستطيع تطويرها مدة قاربت الثمانية أعوام إلاّ بخيالي ففاتني فرص كان بإمكاني استثمارها لكن من المؤسف لم يحصل ولعل ذلك مرده قصور إمكاناتي الذاتية أو تأخر وعي.. ولكنها في المرحلة الثانية لونتها بالمعلومات وتعويض بعض ما فات وفي الأخيرة حاولت تكثيفها بالنقد والبحث والتحليل والمتابعة وبالمنهجية والموضوعية واستعادة ما كان بالكائن لمقاربة واستشراف ما سيكون.
وقد أصدر الأستاذ الشهيل عدداً من الكتب متناولاً موضوعات تاريخية وثقافية واجتماعية وسياسية.
ففي مجال التاريخ أصدر الشهيل كتابين هما:
* فترة تأسيس الدولة السعودية المعاصرة (1407هـ).
التطور التاريخي للدولة السعودية في دورها الأول الذي صدر عام 1423هـ، عن النادي الأدبي بالرياض عندما كنت رئيساً له، وقد قرأت الكتاب بعناية وتأمل والحقيقة أن الشهيل يكتب التاريخ بأسلوب يقوم على التحليل والتعليل وسبر الظواهر واستنتاج العبر ففي هذا الكتاب لم يكن تركيزه على سرد الأحداث أو الاقتصار على جانب الحروب أو الحديث عن الحكام والولاة وإنما ركز على دراسة التطور السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي مما يجعل البحث التاريخي أكثر شمولية ودقة فالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي التي تصنع التاريخ وتسيره.
وهذا الأسلوب العميق في البحث التاريخي جعل الشهيل يقدم لنا دراسة تاريخية شاملة عن الدولة السعودية في دورها الأول. والشهيل بوصفه كاتباً عروبياً وصاحب مواقف واضحة من أحداث العالم العربي والصراع العربي الإسرائيلي جعله يصدر كتاباً مهماً بعنوان (إسرائيل وتحديات المستقبل) عام 1423هـ وإذا به يتحول من مؤرخ إلى محلل إستراتيجي للصراع العربي الإسرائيلي وإذا به يقدم لنا دراسة تحليلية ترصد الأحداث وتقدم التحليلات الواقعية لها بل وإذا به يستشرف آفاق مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي وما ينبغي للعرب أن يتخذوه من مواقف وتدابير وخطط لكسب المعركة في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية وليست العسكرية فقط.
وأصدر الشهيل قبل هذين الكتابين كتاب (صور عربية من إسبانيا) عام 1399هـ، ثم أصدر كتاباً عن سيرة والده رحمه الله (محمد بن عبدالعزيز بن شهيل) عام 1427هـ، ثم سيرته الذاتية (محطات عمر) عام 1438هـ.
وأخيراً أتمنى أن يقوم النادي الأدبي بالرياض بإصدار الأعمال الكاملة للشهيل وأن ينظم ندوة علمية عنه فهو يستحق ذلك.
رحم الله المفكر والمؤرخ والأديب الأستاذ عبدالله الشهيل رحمة واسعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
** **
بقلم. محمد الربيّع - رئيس النادي الأدبي بالرياض سابقاً