«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
يوضح التقرير السنوي لوزارة العمل لعام 2016 أن عدد المنشآت المستبعدة ضمن برنامج نطاقات وصل في نهاية عام 2016 إلى حوالي 739.6 ألف منشأة، كما يوضح التقرير أن عدد المنشآت الصغيرة وصل إلى 230 ألف منشأة، في المقابل وصل عدد المنشآت متناهية الصغر التي يقل عدد العاملين فيها عن 10 عاملين إلى حوالي 1.0
مليون منشأة.. بالطبع عدد المنشآت المتوسطة والكبيرة والعملاقة هو عدد قليل لا يمثل سواد السوق.
هذه الإحصاءات أعلاه توضح نتائج مهمة للغاية، أهمها على الإطلاق أن المشروعات الصغيرة لا تزال تواجه مشكلات ومعوقات بعضها ليس في مقدروها التغلب عليها، لذلك، تغادر السوق مرغمة، بديل خروج واستبعاد 739.6 ألف منشأة، وهو عدد يفوق عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والعملاقة.
هذا، وتوجد مشكلة أخرى أكثر أهمية، وهي أن هناك 243 ألف منشأة تقع ضمن النطاق الأحمر، وهي على أهبة الاستعداد للخروج من السوق للأسف.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تغادر هذه المنشآت والتي هي غالبا منشآت صغيرة ومتوسطة السوق؟ لماذا تفشل محاولاتها للدخول والبقاء بالسوق؟ ما المعوقات التي تواجهها وتجعلها تغادر مرغمة؟
بل نخطو لسؤال أهم: لو افترضنا نجاح هذه المنشآت المستبعدة، كيف سيكون شكل وتوزيع تركيبة المنشآت بالسوق؟
كل الأسواق الناضجة بأوروبا وأمريكا تقوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي هي تمثل قلب السوق النابض.. وهنا نود التفرقة بين المنشآت متناهية الصغر وبين المنشآت الصغيرة، لأن هذه التفرقة مهمة لعملية التنمية.. منشأة صغيرة يعني منشأة بها عمالة ما بين 10 إلى 49 عاملاً، تقوم بعمليات تصنيع أو تحويل أو إنتاج
غالبا يمثل تكملة أو تغذية أو أحد مراحل العملية الإنتاجية لمنشآت كبرى. لذلك، فهو تمثل قيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد الوطني.. أما المنشآت متناهية الصغر، فهي تمثل غالباً منشآت توظف مالكها ربما فقط، أو مالكها وبضعة عمالة تقل عن 10 أفراد. هذه المنشآت غالبا تمثل محلات أو ورش أو دكاكين، وغالباً لا تتم فيها أي عمليات تحويلية إلا نادراً. ورغم أنها مطلوبة في كثير من الأحيان، إلا أن جميع المراقبين يتطلعون إلى منشآت صغيرة رؤوس أموالها تصل غالبا إلى 1 أو 2 أو 3 ملايين ريال، تمثل قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني. رغم الدعم الكبير.. هناك فجوة بالسوق الحكومة تقدم منذ عشرات السنين دعماً مرتفعاً لتحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ظهرت مبادرات عديدة لريادة الأعمال، وظهرت جهات حكومية لدعم شباب الأعمال، وظهرت رغبة غير مسبوقة لمساندة هذه المشروعات الصغيرة الناشئة.. فقد ظهر الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وظهر برنامج كفالة وظهر بنك التنمية الاجتماعية.. هذا علاوة على برامج ومبادرات وزارة العمل. ونشير هنا إلى المبادرات الأربعة التي أطلقتها الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة مؤخراً لتحفيز القطاع الخاصّ ودعمه.. ويمكننا القول إنها بالفعل تحفيز المنشآت الصغيرة وليس كل القطاع الخاص.. بدءًا بمبادرة إعادة الرسوم الحكومية، ثم مبادرة رفع رأس مال «كفالة» لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وضمانة استمراريتها.. ثم ّمبادرة التمويل غير المباشر، التي خُصّص لها 1.6 مليار ريال وأخيراً مبادرة صندوق الاستثمار الجريء الذي يستهدف بشكل خاص المنشآت الناشئة والذي خُصص له 2.8 مليار ريال، ويسعى هذا الأخير إلى سدّ الفجوة التمويلية وتحفيز الاستثمارات في المنشآت الصغيرة والمتوسطة. رغم كل هذه المبادرات وتلك المليارات، نلحظ فجوة، فكل التسهيلات متاحة بدءًا من التمويل والتسهيلات الإجرائية والخطوات الروتينية وحتى دراسات الجدوى لم تعد غائبة، بل تكاد تصطدم بها على الإنترنت مجاناً في غالبية الأحيان.. فما هذه التسهيلات الغائبة؟ أو لماذا يغادر الشباب السوق؟
السوق يدعم احتضان الأفكار المبتكرة فقط.. نعم بالفعل الشباب يجد غالبية المتطلبات لإنشاء وتأسيس مشروعه، ولكن لا يزال يفتقد الاحتضان الحقيقي والفعلي على أرض الواقع خلال أو ما بين مراحل التسهيلات الحكومية.. فالشاب يجد دراسات جدوى عديدة، ولكن من يختار من بينها ما يناسبه.. الشاب يجد نفسه أمام كم هائل من البرامج التدريبية المجانية ولكن من يدله على أفضل البرامج التي يجب أن يحصل عليها.. الشاب يجد نفسه أمام كم
هائل من الأسئلة: ماذا ينتج وكيف ينتج ولمن يبع وكيف يبيع؟ وهل يقترض أم لا يقترض؟ وهل يؤسس مشروع صغير أم أصغر أم متوسط أم ماذا يفعل؟
بالفعل توجد الآن على أرض المملكة العديد من أشكال الحاضنات للمشروعات الصغيرة، ولكن للأسف جميعها تحتاج لشباب جاهز ومهيأ، بدليل أنها تعقد اختبارات وامتحانات صارمة للالتحاق بهذه الحاضنات.. أكثر من هذا، هذه الحاضنات انضمت جميعا إلى شكل الحاضنات للمشروعات الإبداعية والابتكارية، بمعنى لكي تلتحق بها فإنك يجب أن تكون صاحب فكرة مبتكرة وجديدة بالمجتمع، بل ربما يتطرق التنافس إلى أن تكون مالكاً لحقوق ملكية فكرية لمنتج أو علامة جديدة.. وهنا نتساءل:
وماذا عن بقية الشباب الذي يحتاج للمساندة والاحتضان؟ ماذا عن الشباب صاحب المؤهلات الجامعية التي يحتاج إلى دليل لاختيار مشروعه.. ونحن نركز هنا على هذه المرحلة لأنها السبب الرئيسي وراء فشل عشرات الآلاف من المشروعات، وهو اختيار مشروع غير مناسب لإمكانات وظروف وقدرات الشاب.
وتقترح وحدة أبحاث الجزيرة إنشاء حاضنة شباب للمستثمر الصغير تكون تقليدية الفكر، تحتضن الشاب في مرحلة مشروعه الأولى فقط على الأقل، والتي هي أهم والتي قد تكون سبباً رئيسياً لفشله أو خروجه من السوق.
نعم نحن نحتاج إلى حاضنات إبداعية تجمع وتلتقط الأفكار الابتكارية لخدمة التطور التقني بالسوق، ولكن في نفس الوقت نحتاج لحاضنات تقليدية إرشادية لرفع معدلات نجاح المشروعات الصغيرة عموما بالسوق.. ونعتقد أن الفرصة مهيأة الآن في ظل المبادرات الجديدة لهيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لإطلاق مثل هذه الحاضنة الجماعية والتي تستهدف رفع معدلات نجاح المشروعات الصغيرة تحديداً في السوق.