أعلم أنني لست أول من طرح هذا السؤال ولن أكون آخر من يجيب عنه ،وفي الوقت ذاته يظل سؤالاً ملحا طرحا وإجابة. الكتابة طريقة اتصال قديمة، بين مرسل ومستقبل ،الخلود كان وما زال لها ،بها تؤسطر الشخصيات وتؤرشف الأحداث.
تعاطيها يبدأ موهبة ،وقد يتطور الأمر ليصبح حرفة واسترزاقا ،وقد تظل عند البعض وسيلة حضور وربما تنفذ.
قد يكون الطموح أحد الدوافع الخفية للكتابة ،يشرّق الكاتب ويغرّب ،طمعا فى حضور يدفع ذلك الطموح وينقله من الضيق إلى السعة في كل شيء !.
العقاد والرافعي وطه حسين ،مارسوا الكتابة في أرقى صورها وما زلنا كمثقفين عرب أسرى لتجلياتهم الإبداعية ،وما زالت كتبهم ومآثرهم تشكل المتن الأمثل والأكمل لتجاربنا الكتابية في العصر الحديث . اليوم ،الكتاب كثر والكتابة ما عادت تتطلب الكثير من قوانينها الصارمة السابقة ،وأصبحت بفعل رواج السيء منها وتدني ذائقة المتلقي، مهنة من لا مهنة له.
أعمدة الصحف وزواياها تشتكي وفرة في الكم على حساب الكيف الذي ما عاد يشغل حيزاً فى وجدان المتلقي ،القارئ العربي ما عادت الأساليب الإبداعية تهمه وما عاد الاسترسال الحسن يلفت نظره ،هو يبحث عن معلومة في ثنايا السطور ،إن وجدها حفظها فى قوالبه الثقافية العادية جدا ،وإن لم تعجبه تجاهلها عامدا متعمدا،
وإن احتاجها في لحظة معينة، فاستعادتها تكون بطريقة مشوهة، تُبقي في أحسن الأحوال على الفكرة وتشوه الصورة الكتابية المثلى التي تصبح أثراً بعد عين.
فى الصحافة العربية كانت هناك أقلام تمردت على الرتابة والتقليدية ،صنعت منهجا كتابيا فريدا، وكانت كلماتها وأساليبها مرجعا للمتذوق والممارس والمبدع ،كان نتاجها غنيا بكل أشكال الإبداع صياغة وفكرة وبقاء في العقول قبل الورق وأراشيفه.
اليوم انحدرت الذائقة ،فأصبح الحضور في مجمله كسرا لقواعد إبداعية جميلة ،ذهبت وذهب أرباب صناعتها
نحن اليوم أنانيون في تعاطينا مع الكتابة ،فنحن نكتب لذواتنا المنكسرة، لإنفسنا المثقلة بالأنا ،حتى قضايانا وما نؤمن به ،أصبحت بمنأى عن أقلامنا، أصبحت قضايانا غائبة في سراديب العزلة والمصادرة والإقصاء المجتمعي الممنهج في فترة ليست بالبعيدة من الآن. الكتابة ما عادت ميثاق شرف،يُلتزم به ،بين المبدع وقواعد تلك الصنعة ،ما عادت عند الكثيرين أمانة مقدسة، الكتابة في ظل هذا الزيف الذي نعيشه صارت آلة تدق للفت الأنظار إما لمديح كاذب ،أو إقصاء متعمد لمخالف ضاقت صفحاتنا قبل صدورنا على قبول خلافه واختلافه.
** **
- علي المطوع