قالوا قديماً: (من مأمنه يُؤتى الحذر).
لم أجد ما أبدأ به ما يعبر عن قصة الكتاب أبلغ من ذلك لأننا مررنا في الخليج بمرحلة ساذجة ممزوجة بروح البساطة والجهل بينما كان الطرف الآخر يعقد خيوطه بإحكام خلف ظهورنا لنسقط في شرك حباله في وقت أفَلَتْ فيه شمس الدولة العثمانية التي جردتنا من كل الأسلحة فيما مضى، ولو كانت لنا في ذلك فرصة لما كان لدول الغرب خيار في أن تمنعنا من امتلاك المعرفة حتى ظللنا هكذا في العراء دون سلاح كفريسة ننتظر أن ينقض عليها البازي بمخالبه الفتاكة.
عندما نتحدث عن المؤامرات وما يحيكه الغرب من خطط تُتَرجم إلى واقع لا يصدّق البعض ويحسبه من المزح الحلال وهذا غير صحيح أبداً. تحكي لنا (بينيلوب توسن) وهي رئيسة لوحدة أبحاث الشرق في كتابها (الدخول في اللعبة) قصة النساء الغربيات ودورهن الفعّال في حركات التبشير وخدمة الإمبريالية البريطانية في الجزيرة العربية والخليج وعملهن الخبيث هناك عبر خطط إستراتيجية بعيدة المدى والذي يتمثّل في التمريض والطب والتعليم.
كان الصراع الأنجلو أمريكي يتمثّل في البريطانيين اقتصادياً وسياسياً ومفاده المحافظة على المستعمرات بينما كان الهدف الأمريكي والذي يسيطر عليه رجال الكنيسة البروتستانتية هو أعمال التبشير وكيف يتم تنصير أكبر عدد ممكن من القارة الآسيوية وإفريقيا وأهم من ذلك كله الخليج والجزيرة العربية حتى قال ج. ميردوك (أن الهاجس الأول الذي كان يخامر عقول أولئك الذين ينتمون إلى هذه الإرسالية هو احتلال الجزيرة العربية وحكمها لغرض البقاء هناك حتى يتلقى الناس الإنجيل ويروا المسيح المخلص لهم) لماذا؟ لأنها مهد الإسلام الأول والعدو اللدود للمسيحية كما يعتقدون.
لذلك كتب الدكتور جون لانسنغ أستاذ لغة الكتاب القديم ترنيمة خاصة لهذا الغرض:
هناك أرض تجاهلناها طويلاً
وهناك أناس نبذناهم مديداً
لكننا بصدق ولطف اخترناهم
لحب الإله لهم
وإلى مضيف الإسلام سرنا
حيث العبد في العبودية ينزف
إلى ساكن الصحراء الذي يرجونا
أن نجلب حب الإله له.
كانت الإرسالية الأمريكية الأولى والمكونة من كانتن وفيليب وزويمر بقيادة لانسنغ التي مهدت كثيراً لإرساء قدم المبشّرات في الخليج والجزيرة بعد مداولات ماراثونية مع البريطانيين والذي اكتفت بعض نسائهم بالسياسة والإدارة كإيميلي لوريمير زوجة المفوض السامي وغيرترودبيل والتي أحبت الشرق والعيش فيه هكذا دون تغيير بينما كانت فرانسيس واكفيلد متحمّسة للدخول في صحراء الجزيرة لدرجة أنها أخذت تتجول في الكويت باللباس العربي لتبدأ رحلة التبشير دون خوف من المجهول فهم يرون أن ذلك كله إنما هو في سبيل (يسوع) أي الله كما يعتقدون.
لم تتطرق توسن عن حياة النساء العربيات إلا النزر اليسير لأنها كانت مسألة اجتماعية بعيدة عن الأضواء وصعب الولوج فيها ولكنه مدخل فكري نحو التبشير لا يقل أهمية عن الاستعمار الاقتصادي بالنسبة للنساء المبشّرات على أمل إحداث ثورة ناعمة داخل المجتمع الأسري تكون فيه الأجيال اللاحقة مسيحية وبين يديها الكتاب المقدس يقرأونه أناء الليل وأطراف النهار.
يتبع
** **
- زياد السبيت