د. خيرية السقاف
لا نحسب أن فضائل الأخلاق تتبدل مع الزمن، أو يعتريها من الإضافة أو يشوبها من النقص شيء مع متغيرات الحياة..
فهي عصبة فضائل تنبع عن يقين بقيمِها، وتتمثل في حزمة من مسالكها، ولا تغيب في أحلك المواقف، ولا في أعتى الظروف، ولا تتلون بغايات الناس، ولا بحاجاتهم..
فالصدق فضيلة قيمته في الثبات عليه ولو كان الموقف ضد الصادق نفسه، في حاجته لأن يخرج بدونه عن مأزق، فيقع في المأزق ولا يمس صدقه بشائبة كذبة وإن لم يضر بكذبته أحداً..، فصدقه في هذا ينبع من يقينٍ راسخ بسلامه، واعتقادٍ مؤصَّلٍ بمثاليته، ونقائه، وتقدمه على الحاجة في الموقف، بمثوله في كل حال..
الأخلاق عقيدة، فهي وجه من أوجه الاستقامة على الحق معرفة به، وفهما له، وتقيداً بحدوده، وتمثلاً بقيمته، فهو أول جذر في المكنون يُؤسس على معرفة «الله» الحق..
مبعث الصدق يقين في الحق بالإحقاق له..
بهذا التفكير في قيمة الصدق يدرك المرء بقية عصبة الأخلاق المنبثقة من يقين بمثاليتها، وطهرها، وأهمية التحلي بها، وعدم التنازل عنها بدءاً بالصدق، فالأمانة وما أدرى ما الأمانة، وهما عَصَبا الأخلاق الرئيسيْـن، إذ لا وفاء دون الصدق الذي يحتاج إليه الموقف، ودون الأمانة التي يتطلبها، فدونهما لا يمكن أن تتحقق بقية الأخلاق بفضائلها في سلوك المرء..
هذه الأخلاق في بيئة الإنسان عامة، وباختلاف صفاتها، وتحديداً بيئة العمل يتبدى فيها نهج أخلاق المرء، حيث هي الأولى التي يقضي فيها المرءُ جُلَّ وقته، يمارس فيها ما يربطه بالحياة علماً، وفكراً، وأداءً، إلى جانب أنها مصدر للمعاش،ومكاناً لتطوير الذات، و..و
هذه البيئة على سبيل المثال حين تكون ميداناً للمرء باختلاف أدواره، تسود فيها الرغبة للعمل، فتصبح حقلاً فسيحاً لأن يزرع فيها كل موظف فسائل فكره، وجهده، يبذل ما يستطيع، ويتفانى فوق ما يستطيع لسيادة النجاح، ودافعية الإثمار، بفضائل الأخلاق لن يعتدي فرد فيها على جهد غيره، ولن ينسب فيها أحد أحقيته في نول ما هو لغيره، ولن ينكر أحدهم دور نظيره، و..و..
فيها لن تتحول بيئة العمل إلى تنافس، وأحقاد، وإحاكة أكاذيب، وتعطيل جهود، وذر أتربة في عيون.. بل يتفرغ فيها الجميع للعمل، وكل فرد سعيد بما يفعل، واثق من حصاده، بالغ غايته، فكما الله تعالى يقيناً يراه، ويسمعه، فإن من يعمل معه على حد الصدق، والأمانة، والحق، والعدل، والوفاء، والتعاون، والتكافل يسير معه، العين تنام مطمئنٌ معها القلب حين الراحة، والعقل، والقلب ينشطان للتجديد، والبذل، والتفاني، والتعاون حين النشور..
فلنقس على هذا كل بيئة يُمارس فيها العمل، والمعاش أي فرد ذو أخلاق من باب بيت يدلف منه بسعة الحطو للعامَّة، أو يلج عنه بحدود السور للخاصة.
ولننظر ما لونها، وما مدى الراحة فيها، وما مستوى الإنتاجية التي تُحصد فيها؟!..
إن الأخلاق لا تتغير، وإنما سلوك المرء هو الذي يتغير وفق مفهومه عن الأخلاق، ومحصوله مما غرِس فيه منها..
أخلاق المرء تتمثل في مدى يقينه بفضائلها، وحرصه على قيمها يشمل كلَّ تفاصيل سلوكه، بمفرداتها التي تجلِّها مواقفه، بأشكال تعبيره عنها.
الأخلاق لا تتغير كخامات اللبس، وأدوات البناء، وأجهزة المكتب والبيت، والمجوهرات، والمركبات، وكل ما على الألسنة من اللغات!!..