د. خيرية السقاف
سألتني صديقة عن تاريخ يوم أمس بالتأريخ بالهجري, قلت لها السابع عشر, ثم دُهشت لوهلة, إذ تكرر مثل هذا السؤال, ويتكرر من كثير حولنا, أبهذه السرعة تفلَّت التاريخ الهجري من ذاكرتنا, ولم نعد نمر عليه إلا في ورق التقويم؟!..
لا شك أن النظام المالي العالمي الذي تتبع قنوات معاملاته التاريخ الميلادي, والذي يرتبط بنظامنا المالي ما استدعى مواكبة واقع حركته الدؤوبة, إلا أن في «نسيان» أيام الشهور الهجرية ما ينبئ بما سيؤول إليه هذا التاريخ, ولربما ذهب في المستقبل الناس إلى عدم تضمينه جوار التاريخ الميلادي في التقويم, والإشارات, والتوثيق, ولسوف ينسونه تماما كما يفعل إخوتنا العرب والمسلمين حيث لا يُستخدم التقويم الهجري في التعامل اليومي..
ليس هذا فقط ما خرجت به من سؤال الصديقة, وغيرها من أفراد مختلفين مكانا, ومستوى ثقافي, واطلاع..
بل هناك من المتغيرات ما يضع حدودا فاصلة عالية الجدران تنشأ الآن بين الأجيال ليس في جانب من الحياة العامة بعينه, بل في جوانب جذرية ومفصلية الأمر الذي سيطوي عادات, وتقاليد, ومفاهيم, وثقافة عامة, وخاصة, وشخوصا, وذكريات, وآثارا, ليصبح كل ذلك «حالة» مضت, واندثرت!!..
والمجتمعات البشرية عادة تمر بالمراحل, ويحدث فيها التغيير, وتطرأ عليها موجبات التجديد الفاصل, كما التي تمر بنا هذه المرحلة الهادفة للنمو, والمعاصرة, والتطوير, لكن جميع مجتمعات العالم يبقى لها من ماضيها صور باهتة عن تاريخها القديم ما لم توثق شوارده, وبقاياه.
ما يتطلب منا الحرص على التوثيق المكين, فوسائل التوثيق عديدة, ومكينة, ودقيقة, ووافية, إذ من اليسير حفظ «ما كان» مما لا يزال في جعبة ما «سيبقى», وإن ذهب مصيره إلى الحفظ..
ربما هو الوقت الفاصل لتوثيق كل الذي أخذ الجيل الجديد به للاندماج الطامس, أو الاندماج المنتقىَ عند المخضرمين, أو الانزواء الفاني عند القادمين, لتحفظ النماذج, وتسرد السِّيَر, ويُصَوَّر الآيل للنقض, ويُسجَّل المسموع الذي سينتهي إلى التلاشي, وكل الذي ستمر عليه عجلة الوقت فتطويه من البناء, وأثر الإنسان, وعاداته الجميلة, وأهازيجه الحميمة, وترانيمه المشتركة, وأمثلته الموحية, بل اللهجات المختلفة, والمواقف البارزة, والشخوص الفاعلين الذين لا يزال كثيرهم يدب على الأرض قبل أن يطوى به البياض...و..و
كذلك توثيق كل سائد لا يزال, وسينطوي مع كل جديد آت مختلف بزخم رائحته, ولونه, ووقته, ومضمونه, وهيئته, نحو مستشرفا بكل جميل إن شاء الله ..
ولأن الجيل الناشئ سريعا قد جهلوا رموزهم, ونسوا كثيرا من الأحياء بينهم, وتجاهلوا العديد من نمط حياة أسرهم, وقفزوا فوق تقاليد أهلهم, وتحللوا من لغتهم, ولباسهم, وتاريخ أيامهم, فما سيكون فيهم من الماضي في جوانبه الجميلة مستقبلا مما لم يشهدوه, أو يعيشونه إن لم تكن هذه المرحلة الفاصلة وقتا مهما للتوثيق قبل أن يندثر؟!..