الحمد لله على كل حال. اللهم أجرنا في مصيبتنا، وأحسن عزاءنا في الشيخ والصديق الدكتور إبراهيم الغصن؛ إذ كان مصابنا في الشيخ جللاً، وفَقْدُنا له أعظم الرزايا، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا.
لقد كانت وفاته من أعظم المصائب، وأكثر الجروح إيلامًا، وأي ألم أعظم من أن يفرق الموت بينك وبين شخص طالما حفظت له في ذاكرتك أجمل الذكريات، وأصدق الكلمات، وأطيب النوايا، وعظيم الود؟..
رحيل الشيخ مفاجأة صادمة، ومؤلمة، خاصة أننا الذين كنا بقربه، وتعودنا على كلماته الطيبة، وحُسن معشره، وروحه الندية، وحضوره الذي يبدأ بالابتسامة، وينتهي بها.. عزاؤنا وعزاء محبيه فيه أنه رحل -بإذن الله- طيب السيرة، نقي السريرة.. رحل وليس في عنقه مظلمة لأحد.. مضى عن دنيانا وليس في قلوب الآخرين له غير الود والمحبة والذكريات الطيبة.. رحمك الله وأحسن عزاءنا فيك يا شيخ إبراهيم.
لقد كنتُ من أقرب الناس إليه، وأكثرهم التصاقًا به؛ فقد جمعتنا الصداقة والتجارة والشراكات الممتدة، وعرفت فيه من النقاء والصدق والأمانة وسماحة النفس وحسن الخلق شيئًا لا يستوعبه المقام.
كان رحمه الله مع رفعة قدره وحزمه بسيطًا رقيقًا مع الفقراء والمساكين، وكان يتبسط مع البسطاء، ويستمع لحاجاتهم وهمومهم، ويسعى في حل مشاكلهم.
لقد كان في سيرته مواقف عظيمة من حب الخير والإحسان والرحمة والترفق مما لا يتسع المقام لتفصيله، لكنني لا أنسى أنه في مستهل رمضان أخذ بيدي، وذهب بي لنشاهد ونقف على المطعم الذي سيقدم الإفطار في مسجد الشيخ على نفقته الخاصة، فكان يتفقد بنفسه الطعام وجودته وكميته، ويقول «بإذن الله لن ينتهي رمضان إلا وقد صار عدد الذين يفطرون في المسجد من المساكين مئة شخص»، ثم عاد للمسجد، وتأكد من تجهيز المكان، وكان يقول: «إن هذا المال والجاه اختبار لنا، هل نقوم فيه بحق الله، ونجعله سببًا للإحسان للناس».. وكان ذلك قبل وفاته بيومَيْن.
أشهد الله يا أبا محمد أنك كنت نعم الناصح المشفق.. ها أنت ترحل عن دنيانا مودعًا بدموع من عرفوك فأحبوك، وتعلقت قلوبهم بك، كان مشهد جنازتك مهيبًا مجللاً بالوقار، من قلوب تتألم لفراقك، وألسنة تثني عليك، وتدعو لك بالرحمة.
إن الناس هم شهداء الله في أرضه، وها هم كل من عرفوك يجمعون على سيرتك الطيبة حيثما كنت؛ ففي كل عين لك دمعة ألم، وفي كل قلب ألم فراق، وعلى كل لسان كلمة ثناء وذكر طيب، ودعوة صالحة من لسان صادق.
رحمك الله يا شيخ إبراهيم، كنت كريم الخلق، طيب النفس.. وما سمعنا منك مع طول العشرة وكثرة ما بيننا من تعاملات لغوًا في القول، أو كلمة نابية، أو تحريضًا على خطأ.. يعتصرنا الألم، وتغلبنا الدموع، لكننا نعلم أن هذا أجل مقدر، وأيام معدودة، وأن هذا الفراق ليس سوى فراق دنيوي، وقدر لا تتجاوزه النفوس، فنؤمن بالله، ونحتسبك عنده، ونسأل الله أن يجبر كسرنا بفراقك، ويجمعنا بك في جنته.. وكانت صدمة رحيلك كالدرس العظيم الذي ذكرنا جميعًا بمآلنا، وكان دعوة للمراجعة والتأمل والتفكير في قِصَر الحياة، ومحدودية الآجال.. وأخيرًا أسأل الله أن يرحمك ويجمعنا بك في مستقر رحمته.
** **
- د. عبدالرحمن بن صالح الشتيوي