كوثر الأربش
يدرج علم الإدارة بالنمو والتشكل منذ منتصف القرن الماضي. وبدأ ينفض عنه العشوائية بالفعل، حين وضع فردريك تايلور جذور علم الإدارة نهاية القرن ذاته. من خلاصة تجاربه الحية، في أحد المصانع. ثم تتالت النظريات، على يد هنري جانت، وجلبرث وليليان، وغيرهم ممن كانت لهم إسهامات مهمة في تطور الفكر الإداري، ليتحول لعلم قائم بذاته ومستقل عن ما سواه من العلوم، وإن كان يستفيد منهم جميعا. حتى وصل العقل البشري إلى نتيجة قفزت بالإدارة إلى أوجها: أن «القرار» هو لب الإدارة المثلى». كل عمل يبدأ بفكرة، وكل فكرة هي غارقة في طوفان من الأفكار، الإداري الحقيقي هو من يغوص ليصطاد الفكرة التي تصبح قرارا أمثل. إن هذا سيكون من أصعب ما يمكن أن يقوم به إداري ما، حتى وإن امتلك شهادة وخبرات ومؤهلات جمة. لكن القائد لعبته القرارات. لأنه يمتلك ملكة فطرية في رؤية الطريق لحل المشكلات وإدارة الأزمات أو اختيار بديل من عدة بدائل، وهذا ما تؤكده علم الإدارة أيضًا. أن هناك فرقًا بين المدير والقائد. المدير يمكنه أن يسير العمل حسب ما أمامه من منهجيات وأنظمة، لا يحيد عنها، لكن القائد هو من يمكنه القفز على الأنظمة إذا شعر بالحاجة لذلك، وإن كان ثمة حاجة ماسة لاتخاذ قرار ينقذ المؤسسة أو يحسن من أدائها. وهذا ما جعل الإداريون يطرحون سؤالا مفصليا: هل الإدارة علم أم فن؟ ثم وقفوا في المنتصف بين أن تكون علمًا لأنها تتبع قوانين ويمكن تدرسيها وتطبيقها، وبين أن تكون فنًا لأنها خاضعة للموهبة الفردية للقادة، تلك المواهب التي نولد بها دون أن تتدخل آليات التعليم بها. وقد حاول علم الإدارة رصد المزايا التي يتحلى بها القائد: التواصل الجيد مع الغير، بحيث يمكن للقائد شرح وإيصال أفكاره للآخرين بسلاسة وهدوء ونقل عدوى الحماسة لتنفيذ الأعمال دون جهد واضح. «القدرة على بناء فريق عمل» وجعل الآخرين يشعرون بالولاء والانتماء للمنظومة. «الثقة بالنفس»، «الروح الإيجابية وحس الدعابة» لا يمكن أن يصبح الشخص البغيض والنكد قائدا ناجحا على الإطلاق.» التواضع والإنسانية» سمتان لا يتحلى بهما إلا القادة الحقيقيون، فالقسوة والفوقية يمكن أن تجعلا المديرين يديرون العمل لكنها لن تخلق مؤسسات رائدة. تلك بعض المزايا التي حاول علم الإدارة رصدها للقائد. ولكن تبقى القيادة موهبة يصعب تفسيرها. إنك حين تصادف شخصًا يبهرك، ينقل لك النشاط والإيجابية والحماس والرغبة الصادقةفي العمل. ذلك الشخص المشع بابتسامته حين تشعر أن كارثة ما تحيط بك. ذلك العقل الذي يمكنه ربط خيوط المسألة واتخاذ قرار قد يصدم الجميع في المواقف الحرجة لكنه سيبهرهم حتمًا حين يكون قراره سليما وناجحا بعد التطبيق. هناك في الحياة من هم كذلك. من يرون أبعد مما يرى الآخرون. هؤلاء حتى وإن لم يجدوا من يؤمن بهم، سينجحون ولو بعد حين. وفي التاريخ شواهد كثيرة.