عبده الأسمري
يمتلك أشرف مهنة ويسلك أعظم طريق في يمناه «مفتاح» الشرف، في مهمته «احتفال الأرض» وابتهال الروحانية واكتمال السكينة.. سادن برتبة «وريث فخر أبدي» وميراث تاريخ سيادي.
إنه كبير سدنة بيت الله الحرام وحامل مفتاح الكعبة المشرفة الدكتور صالح الشيبي السادن السابع والسبعين من سلالة عثمان بن طلحة المكلفين بأعظم مهمة على وجه المعمورة وهي «سدانة الحرم المكي».
بوجه تحفة علامات المشيب وتتحفه ملامح الفضل ومطامح الفضيلة وسحنة حجازية معتقة بطهر الصفات التي تتوشح بها عائلة الشيبي «العريقة» وتقاسيم مسجوعة بالخشوع ومحيا «فريد باسم» يستند على «أناقة بيضاء» تعكس بياض القلب وفياض الإنسانية وسمو الأمانة وصوت مكاوي جهوري تنبع منه لغة فصحى منمقة بمفردات «شرعية» وتتوارد خلالها لهجة حجازية أصيلة خليطة بين الرسمية والدارجة وفق المقام والمناسبة يطل «الشيبي» قامة من قامات المجتمع المكي ووجهًا من وجوه مهنة «السدانة» العظيمة المتوارثة للعائلة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلَّم وحتى قيام الساعة.
بين منازل العائلة وجنبات الحرم المكي الشريف ركض الشيبي طفلاً بين العزيزية والحجون وكدي والمسفلة منجذباً إلى صوت الأذان متجاذبًا مع تناسق العابدين والركع السجود في صحن الطواف مسكوناً بمقامات الدعاء بين الصفا والمروة مخطوفاً إلى السمو المهني الذي يراه حاضرًا في أحاديث العائلة متآلفاً مع اجتماعًات الترشيح في حالات وفاة كبير السدنة فنشأ وامتلأ قلبه بحكايات الأجداد وتوجيهات الآباء عن المهمة الشرفية والأمانة الأبدية والتشريف النبوي بتوارث المهنة فتشكلت في ذاكرته «حظوة التوريث» ووراثة النبل.
اتكأ الشيبي على رصيد طفولة عامر بالتنقل بين دروس الدين بالحرم المكي وساحات التعليم العالي فاحتفظ بإجابات ناجزة لكل الأسئلة المحتملة اقتحمت ذاكرته في سياق الأزمنة والأمكنة فكان عنوانها الأوحد «حب العلا» مستندًا على «مثالية أسرية» و»امتثال ذاتي» دفعه لمعانقة الفلاح من بين أوساط المكيين الأذكياء واضعًا «التنافس» محكاً والنبوغ حكاية لا تنتهي فتوغل في عوالم من التفوق عبرها أستاذًا جامعيًا وعضوًا بالشورى وسادنًا للكعبة المشرفة.
تعطرت أنفاس الشيبي طفلاً وشابًا وراشدًا وشيخًا بدهن العود وماء الورد وامتلأت عروقه بطهر التروحن المهني وطهارة الشرف المكي وهو ينضم لكتيبة «الشيبي» التاريخية معاونًا وفردًا ووكيلاً ثم سادنًا يحمل أغلى مفاتيح الأرض ويقف على أعلى عتبة شرف في الدنيا ليظفر يأثمن كنوز المهن وأبهظ عطايا الحياة ككبير سدنة الكعبة المشرفة وحارس على بوابات بيت الله الحرام.
درس الشيبي الابتدائية متساوية بعامين في كل من مصر والمدينة المنوّرة ومكة المكرمة. وأكمل المتوسطة في مدرسة الرحمانية ثم في ثانوية العزيزية بمكة ثم درس بكلية الشريعة بمكة ونال البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه بتقدير امتياز في ذات التخصص عمل بداية حياته العملية معيدًا ثم محاضرًا في جامعة أم القرى، ثم أستاذًا مساعدًا، ثم رئيسًا لقسم العقيدة لمدة سبع سنوات ونصف السنة، وكان حينها يعمل مع أهله في سدانة الكعبة المشرّفة، ثمّ عُيّن عضوًا في مجلس الشورى بالرياض الذي أنشئ في عهد الملك فهد -رحمه الله- لمدة أربع سنوات، وعاد إلى مكة وعمل وكيلاً لكبير سدنة الكعبة، لمدة ستة عشر عامًا، ثمّ عُيّن في عام 1436 كبيرًا لسدنة الكعبة، بعد وفاة عمه عبدالقادر الشيبي.
أكثر من 100 محفل دنيوي وقف الشيبي فيه شاهد عيان وكبير قوم وخبير مهنة في أجمل مشاهد الدنيا من خلال غسيل الكعبة المشرفة فامتلأ قلبه بجمال الدور ورونق الأداء وضياء المشاركة وتشبعت روحه برياحين التقى وياسمين التقوى وتعطرت جبهته بطهر السجود وتوشحت ناصيته بعبق الخشوع في كعبة الشرف في أسمى مواقع الأرض علواً ووسط أرقى وقائع المحافل الدينية فظل سنوات خادما خدومًا لمهنته السامية ومهمته المتسامية من جوهر الدنيا إلى معارج السماء.
بين سلام ووئام ونسمات الورع ونسائم التضرع يسير الشيبي حاملاً أغلى مفاتيح الحياة ليقف «عبدًا فقيرًا» على بوابات البيت الحرام ثم يتجه لفتح أجل وأقدس وأطهر مكان على وجه الدنيا لتنطلق المشاهد الروحانية المشبعة بنقاء ماء زمزم وصفاء مقام إبراهيم وسخاء حجر إسماعيل عليهما السلام ليسجل التاريخ يومًا مشهودًا يشهده سبعون ألف ملك في اليوم والليلة وتستشهد به بلدة طيبة وتنشده قلوب عامرة بالطاعة.
في مكة يقف «صالح الشيبي» رمزًا من رموز مهنة «السدانة» وعزًا متفرعًا من اعتزاز «الشيبيين» في عقدهم «الفريد» المرصع بأقدار «الشرف» المشبع بيقين «الفخر» ليكون أحد «الموقعين على مسيرة خالدة تسجل مشاهدها بحتمية مذهلة على خريطة التاريخ الإسلامي.