د. محمد عبدالله العوين
استضفت الأستاذ نجيب محفوظ في حوار صحافي عام 1399هـ ونشر في ملحق (الأسبوع الأدبي) بالجزيرة الذي كان يصدر كل ثلاثاء ويشرف على تحريره الأستاذ حمد القاضي، ثم استضفته ثانية في حوار إذاعي مدته نصف ساعة عام 1408هـ قبل أن يعلن فوزه بجائزة نوبل بستة أشهر، وتنبأت في ذلك الحوار بأنه سيحصل على هذه الجائزة العالمية المرموقة متكئاً على فرادة أعماله الروائية من حيث واقعيتها الاجتماعية والتصاقه بالحي والشارع المصري وعنايته بالطبقة الشعبية، ثم تعدد أطياف الكتابة الروائية بين التاريخية والواقعية والرمزية والأسطورية وتوظيف الموروث الشعبي، وثقة عدد كبير من النقاد في فوزه بالجائزة؛ كانت تلك الأسباب مجتمعة دافعة لي لمباركته مقدماً كأول أديب عربي يفوز بنوبل، وكان رده قهقهة كبيرة مدوّية أشبه بالسخرية، أو عدم الثقة في تقدير الفاحصين لأعماله من غير العرب.
كان الحوار الأول في مكتبه بجريدة الأهرام بالدور الرابع، حيث كان يكتب زاوية أسبوعية بعنوان «وجهة نظر» ومن خلال مقالته الأسبوعية استطعت الحصول من جريدة الأهرام على رقم هاتف منزله، وتم الاتفاق على أن أزوره في مكتبه الساعة العاشرة صباحاً، واستيقظت مبكراً في صبيحة ذلك اليوم مع شروق شمس القاهرة وطلبت إفطاري في شرفة غرفتي بفندق «أمية» المتواضع المطل على دار القضاء العالي، وفي فترة انتظار مجيء النادلة الرشيقة واللطيفة بالإفطار ومع أصوات باعة الصحف والكلمات الصباحية المعطّرة بالمحبة التي تنتثر على الرصيف بين المارة مع رذاذ ندى يتغلغل في أعماق النفس وينشر فيها البشر وحب الحياة تصفحت عدد ذلك اليوم من الأهرام فإذا بزاوية الأستاذ نجيب تفاجئني بمقالة يعلّق فيها على انتحار قاص مصري في الأسبوع الفائت اسمه «رجاء علوش» وصدرت له مجموعة قصصية بعنوان «وجهي القبيح» فأردت أن أتخذ من مقالته هذه مدخلاً للحوار..
أوقفت سيارة الأجرة بجانب باب الفندق الذي تحضنه من الجانب الأيمن فرشة طويلة عريضة من الصحف والمجلات على الرصيف ومن الجانب الأيسر محل «الأمريكيين» الذي يبخ على الشارع رائحة الفانيلا والشكولاتة وأنواع الحلويات والكيك.
قلت للسائق الفكه: أريد الأهرام لو سمحت. رد بسرعة: أبو الهول؟ قلت: لأ، الأهرام الجريدة. لم تغب عنه خفة دم المصريين فقال: مهم دول أهرامات برضه! قلت: صحيح، فمصر لديها أهرامات من الحجر وأهرامات من البشر.
التفت إلي متسائلاً: إنت عاوز مين فيهم؟ قلت: الأستاذ نجيب محفوظ. قال: الله، دا باشا يا بيه، إنت بتآبل ناس أكابر!
لم أكن مهيأ لحوار طويل مع سائق الأجرة الذي لم يتوقف عن الأسئلة واحداً تلو الآخر، فما إن ألوذ بالصمت ساهماً أتخيل كيف سيكون اللقاء بعد دقائق يقطع ما ذهبت فيه من خيال صحفي صغير في السن والخبرة يريد أن يقتحم عالم الكبار من النجوم في عالم الصحافة والأدب... يتبع