د. أحمد الفراج
في الليلة التي انتخب فيها باراك أوباما رئيساً لأمريكا، وضج العالم بأسره من جراء ذلك، كانت الصورة مختلفة تماماً، لدى شرائح المحافظين البيض، في الداخل الأمريكي، فبعد ساعة من فوز أوباما، كان السيناتور، جون مكين، الذي خسر أمام أوباما، يلقي خطاباً أمام أنصاره، ليشكرهم على وقوفهم معه، ويهنئ الرئيس الجديد، حسب التقليد المتبع، وهذه المرة، لم تمض الأمور كما هو معتاد، فعندما هنأ مكين أوباما، صرخ الجمهور معترضاً، ولأن مكين سياسي عريق ومعتدل، فقد تدارك الموقف، وحاول كل جهده تهدئة الجمهور الغاضب، ولكن الكاميرا التقطت مشاهد صفير الاستهجان من الحشود الحاضرة، أما الإجراءات الأمنية المشدَّدة، التي تم اتخاذها، في الموقع الذي شهد كلمة الرئيس الفائز، باراك أوباما، فقد كانت غير مسبوقة كماً وكيفاً، وبدا كما لو أنها ساحة حرب.
كان الرعب، الذي أصاب المحافظين البيض من فوز أوباما هستيرياً، وخلال متابعتي لوسائل التواصل الاجتماعي، في ذلك الوقت، شاهدت ما لم أعهده من الأمريكيين، الذين عشت بين ظهرانيهم ردحاً من الزمن، فقد كانت اللغة العنصرية، المليئة بالألفاظ التي كنت أظنها قد انقرضت، تملأ صفحات وسائل التواصل، وبعدما فتحت حساباً خاصاً في تويتر، بعد بضع سنوات من فوز أوباما، دخلت في حوارات مطولة مع مغرِّدين أمريكيين، محاولاً فهم ما يجري، وعدا عن حوارات قليلة كانت هادئة، تفاجأت بمستوى التشنج والغضب، خصوصاً من المغرِّدين في ولايات الجنوب، المحافظة تاريخياً، ولم يكن عسيراً أن تتعرَّف على الحسابات العنصرية، إذ تجد صور العلم الأمريكي، وصور جنرالات الحروب الأمريكيين، ولا يمكن أن يتم إغفال ذلك، كأحد أسباب بروز المرشح، دونالد ترمب، الذي كان واضحاً أنه استغل غضب هؤلاء المحافظين، وترشّح بأجندة يمينية، وكان وراء ذلك مستشاره، ستيف بانون.
وإذا كان ظهور تلك المشاعر المتشنجة ضد أوباما في وسائل التواصل متوقعاً، فإن قناة فوكس التلفزيونية اليمينية، وفي خطوة متهورة، عرضت، بعد فوز أوباما، صورة للرئيس التاريخي، إبراهام لينكولن، وقد عدلت في الصورة، وصبغت وجهه باللون الأسود، ولا تخفى الإشارة العنصرية هنا، فلينكولن، هو الزعيم الذي خاض حرباً طاحنة، حتى تمكَّن من تحرير السود من الرق، أي وكأن القناة تقول إن حلم لينكولن تحقق! وكانت ذروة الحوادث العنصرية، التي حدثت في عهد أوباما، تلك الحادثة البشعة، التي قتل فيها شاب عنصري أبيض تسعة من السود، في مدينة تشارلستون، بولاية جنوب كارولينا، حيث اتضح أنه كان يرغب في أن تكون هذه الحادثة بداية لحرب عرقية، ينتصر فيها الرجل الأبيض! وتعود أمريكا دولة للبيض، بل ويعود السود إلى حياة الرق، والخلاصة، هي أن أمريكا، التي كسرت كل التابوهات المحرَّمة، وانتخبت رئيساً أسودَ، لا تزال تعاني من جذوة العنصرية، ولكنها عنصرية تكبح جماحها القوانين، في دولة المؤسسات العظمى، الولايات المتحدة الأمريكية!