عماد المديفر
بعد أن أمهل فخامة الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» أطراف الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) لعدة أشهر، وزادهم مثلها، بهدف منحهم الفرصة الكافية لتعديل الخلل الكبير في بنود الاتفاقية التي عمل عليها فريق الرئيس الأمريكي السابق سيئ الصيت «باراك أوباما»، وبالأخص «جون كيري» -الذي حاك بنودها بالتعاون مع شريكه وصديقه القديم جواد ظريف وزير خارجية نظام الملالي في طهران- والتي حرصت الإدارة الأمريكية السابقة على إبقاء العديد من تلك البنود قيد الكتمان قدر الإمكان.. بيد أن ما ظهر منها فيما بعد؛ كشف أن الاتفاقية لا تضمن فعلياً وبشكل كامل عدم إقدام نظام الملالي مستقبلاً على المضي في صنع وحيازة القنبلة النووية، عدا عن كونها لا تشمل برنامجها الصاروخي، رغم أن العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الأمن ضد نظام الملالي كانت بالأساس تشمل البرنامجين الصاروخي والنووي.. وأنشطتها الإرهابية، والداعمة للميليشيات والمنظمات المتطرفة الخارجة عن القانون، والمتورطة بزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
بيد أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق «أوباما» تلاعبت في كل ذلك، وأقدمت بالفعل على خديعة المجتمع الدولي بالتعاون مع المستفيدين مادياً من الاتفاقية، والذين لا يعنيهم كثيراً أمن واستقرار المنطقة، فسوقت هذه الاتفاقية وقدمتها بزعمها أنها تمنع امتلاك نظام الملالي للسلاح النووي، غير أنها في الواقع ليست كذلك.. إذ هي مجرد ذريعة، وغطاء مخادع، لمنح إيران فرصة التهرب من العقوبات الاقتصادية الدولية التي خنقتها وكادت أن تتسبب بالإطاحة بنظام ملالي الشر والإرهاب من الداخل، والتي أقرتها الأمم المتحدة ذاتها، وعبر في مجلس الأمن في الأعوام 2005 و 2006 و 2007. ولم تكتف إدارة أوباما بنجدة النظام الإيراني من خلال مد يد العون له لانتشاله من حالة التقهقر الاقتصادي، بل إنها استخدمت الاتفاقية أيضاً كمبرر لإيقاف العقوبات الأمريكية القديمة ضد نظام عمائم الرجعية والظلام، والتي فرضت عليه منذ العام 1979م جراء ما اقترفته طهران بحق الدبلوماسيين والجنود والمواطنين الأمريكان، من حالات قتل وتفجير وإرهاب واحتجاز رهائن.. وما ترتب عليها أمريكياً من عقوبات فرضتها عليها بعد ذلك.
أوباما وإدارته، ومن خلال تلك الاتفاقية، لم يكتف بإيقاف العقوبات، بل أفرج عن مئات الملايين من الدولارات التي كانت رهن الاحتجاز بموجب القانون، والتي وظفتها طهران بعد تسلمها من إدارة أوباما بالسر -ولتحويل تلك الأموال بأكياس وعلى دفعات عبر طائرات مدنية من أمريكا إلى طهران قصة أخرى ليس هنا سردها-؛ هذه الأموال وظفتها طهران لدعم الجماعات الإرهابية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها.. وكل ذلك بحجة الاتفاق الفارغ (JCPOA) والذي يعد عنوانه بحد ذاته خدعة دعائية كبيرة..»خطة العمل الشاملة المشتركة»! وهي في واقعها ليست بخطة شاملة، بقدر ما كانت «خدعة شاملة».
الرئيس الأمريكي الوطني، العملي والواقعي «دونالد ترمب» كان واضحاً وشفافاً ومباشراً وهو يوجه انتقاداته لهذه الاتفاقية الفارغة.. فعلاوة عن كونها لا تشمل برنامج الصواريخ الإيرانية والذي هو بالأساس أحد المسببات الرئيسة للعديد من العقوبات الدولية بموجب قرارات مجلس الأمن، والتي جاءت هذه الاتفاقية لترفعها عن طهران! وعلاوة عن كونها لم تتضمن مسألة إيقاف عملية دعم النظام الإيراني للتنظيمات والجماعات الإرهابية خارج حدوده، كحزب الله، وفيلق القدس، وحماس، والحوثيين، وطالبان، والقاعدة، وبوكو حرام وغيرهم.. أو التدخل في أعمال تتسبب في تهديد الأمن والسلم في الإقليم.. فإنها في الأساس-أي الاتفاقية- محدودة في الزمان والمكان..! محدودة الوقت.. إذ مدتها فقط 10 سنوات، وبعدها فالنظام الإيراني في حلٍ منها..! كما أنها محدودة الأماكن.. فهناك أماكن محددة داخل إيران، هي التي يمكن مراقبتها! وبشروط أيضاً!.. فيما أن العديد من الأماكن الأخرى الكثيرة والفسيحة داخل إيران، غير خاضعة للمراقبة.. الأمر الذي سمح بالتالي لطهران في استمرار العمل بشكل سري في تخصيب اليورانيوم.. وهو ما كشفته عدة تقارير استخبارية تم نشرها عبر الإعلام من قبل جهات عدة.
اليوم؛ تواصل الدول الأطراف الأخرى داخل الاتفاقية (روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا) بالعمل بالاتفاقية (الفارغة) والمخادعة.. وهذا الأمر ليس بالسيئ، إذ له محاسنه في ظل الحزم الأمريكي والعربي والإسلامي تجاه نظام الملالي.. غير أن عليهم الوفاء بعهودهم، والحفاظ على مصداقيتهم، من خلال الجدية في تطبيق الهدف الحقيقي من الاتفاقية، والذي هو بالأساس متمثلٌ بروح الاتفاقية: ضمانة تدمير مشروع التسلّح النووي الإيراني، وإيقاف برنامجها الصاروخي، وقطع دابر دعمها للإرهاب، والتأكد من ذلك.. ومحاسبتها على جرائمها السابقة.. وبالتالي فعليهم إيجاد صيغة لتعديلها.. لتصبح جادة، وفعَّالة.. وتشديد الضغط على طهران، والتي لا تعرف إلا المراوغة، ولا ينفع معها إلا منهج القوة. وإلا فعليهم الخروج من هذه الاتفاقية بشكلها الحالي، والتي تعد (فارغة) المضمون، و(عديمة) الفاعلية، أو أن عليهم مواجهة تلك الحقيقة التي تقول إن دول الشرق الأوسط المعتدلة والمستهدفة من نظام الملالي، ستنظر إلى تلك الدول كشريك غير مباشر لنظام الملالي في عمله في زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وستتعامل معها بمقتضى ذلك، وهو الأمر ذاته الذي سنفعله الولايات المتحدة الأمريكية تحت رئاسة القائد الحازم «دونالد ترمب».. والذي أمهلت وزارة خزانته الشركات الأوروبية الدولية بما فيها تلك التي في الدول المذكورة، أن تعلم تماماً أنها تحت طائلة العقوبات الأمريكية فيما لو استمرت في العمل التجاري والاقتصادي مع طهران.. إذ عليها أن تختار؛ إما خرق العقوبات الدولية باستمرار عملها داخل طهران، أو التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة.. لاسيما وأن الرئيس الأمريكي قد أمهل تلك الشركات من ثلاثة إلى ستة أشهر لتصفية أعمالهم المالية والتجارية مع الملالي.
اليوم أيضاً؛ يكشف الرئيس «ترمب» كذبة أن هناك جناحين يتجاذبان القيادة داخل إيران.. ما يسمى بـ «الإصلاحيين» أو الذين تسميهم وسائل إعلام تابعة لليسار الديمقراطي كالـ»نيويورك تايمز» بـ»المعتدلين»، والجناح الآخر «المتشدد»؛ أن ذلك كله مجرد خدعة من نظام خامنئي.. المرشد الأعلى. والحاكم الفعلي لإيران باسم الإله.. وأن تلك الوسائل الإعلامية، وذلكم السياسيون الديمقراطيون الذين يروّجون لتلك المصطلحات كالرئيس السابق «أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري» والجمهورية «سوزان رايس» و»جو بايدن» و»هيلاري كلنتون» وغيرهم؛ إنما هم شركاء في الدعاية الإيرانية، أو أنهم في أحسن الاحتمالات؛ مغفلون سُذَّج، واقعون تحت تأثير خديعة نظام عمائم الشر والأرهاب في إيران.
إلى اللقاء،،،