بدا حدثاً «استثنائياً»، يوم أن كان برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة «حاضراً» على منصة جائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي، متوجاً كأفضل الممارسات الناجحة والمبادرات الملهمة في صون عناصر التراث الثقافي، وإيجاد بيئة حاضنة لاستدامة التراث الثقافي الإنساني العربي الهادف إلى تحقيق الحماية والمعرفة والوعي والاهتمام والتأهيل والتنمية لمكونات التراث الثقافي الوطني السعودي، وجعله جزءاً من حياة وذاكرة المواطن، والتأكيد على الاعتزاز به، وتفعيله ضمن الثقافة اليومية للمجتمع، وربط المواطن بوطنه من خلال جعل التراث عنصراً معيشاً، ومولداً رئيس في حقل التنمية الاقتصادية الشاملة.
برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الصادر بالأمر السامي الكريم رقم (28863) وتاريخ 21-7-1435هـ، يعد مشروعاً تاريخياً وطنياً يضطلع بإحداث نقلة نوعية وتحول إجرائي غير مسبوق على مستوى برامج ومشاريع التراث الحضاري الوطني بالمملكة في مجالات الآثار، والمتاحف، والتراث العمراني، والحرف والصناعات اليدوية، ويؤكد عناية الدولة بتعزيز مكانة التراث الوطني باعتباره ثروة وطنية، ورافداً تنموياً، وهذا البرنامج يأتي تتويجاً لجهود كبيرة بُذلت في مسار الاهتمام بالتراث المادي وغير المادي، منذ تولي الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الإشراف على هذا الحقل منذ عام (1428هـ).
في الشارقة، ثمة احتفاء - غير عادي - بالحضارة السعودية، تلك الإمارة التي تحولت إلى مركز ثقافة على المستوى الدولي، حيث لم تكن كلمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في ردهات الجائزة، وما سمعته من الحضور والمسؤولين في معهد الشارقة للتراث عن جهود المملكة في المحافظة على تراثها الحضاري لتمر دون أن استشعر مساحة كبيرة من الفخر والاعتزاز كوني «مواطناً سعودياً» قادم من موطن صنع فيه التاريخ، تأكيداً لعبارة لا تراوح ذاكرتي، يقول فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني «علينا أن نثبت أن بلادنا ليست مجرد طارئ على أطراف الحضارات، بل رائدة من رواد صناعتها ونشأتها عبر التاريخ».
شخصية الإنسان السعودي - بعمق حضارتها -عادة ما يكون حضورها «فريداً» على المشهد الدولي، ويبرهن ذلك ما يُرصد من «اهتمام كبير» من لدن الجميع في كثيراً من المشاركات والفعاليات والمؤتمرات الخارجية خاصة تلك التي تُعنى بالتراث الحضاري بمكوناته المختلفة، يوماً بعد يوم تترسخ بداخلي قناعة متراكمة وثابتة أننا - وحتى الآن - لم نع ما نمتلكه من «إرث حضاري» ممتد لجذور التاريخ. أعتقد أننا بحاجة الى أن نُنصف «أنفسنا» من خلال إنصافنا «لحضارتنا» وفهم القيم الإنسانية المرتبط بها، فالعالم بات ينظر إلينا «كتجربة استثنائية» و»كنوز بشرية حيّة» استطاعت أن تحافظ على امتداد حضارة سادت واستمرت وبقيت، بفعل الثوابت الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي تشكّل في العصر الحاضر قوائم النهضة الحديثة للمملكة.
منح جائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي لبرنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري هو «تقدير بالغ» لجهود الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركائها نظير عمل جاد وجهد مضن قاده الأمير سلطان بن سلمان - بكل اقتدار - طوال السنوات الماضية نحو المحافظة على مقدرات الوطن الحضارية رغم كل التحديات والمعوقات الإدارية والتنظيمية والاجتماعية برفقة هذه الرحلة الشاقة والتي كانت دافعاً حقيقياً للمضي قدماً والإيفاء بالمسؤولية الكاملة نحو الأجيال القادمة. حتماً ستحفظ عربة التاريخ وبكل اعتزاز تلك «المبادرات الطموحة» لأولئك الذين بذلوا أنفسهم وقدّموا عملاً «استثنائياً».
** **
المهندس بدر بن ناصر الحمدان - متخصص في التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن