دعا مجلس الشورى في السادس من فبراير الماضي معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، عميد كلية التجارة الأسبق، ووزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق إلى لقاء مع أعضاء وعضوات مجلس الشورى ضمن برنامج التواصل المجتمعي. وفِي بداية اللقاء تحدث الدكتور الملحم عن تجربته مع القانون بمحطاتها الثلاث، كطالب ثم كأستاذ ومسؤول جامعي ثم كعضو في مجلس الوزراء. وقد نشرنا في (3) حلقات سابقة نص المحاضرة، وفِي هذه الحلقة الأخيرة ننشر نص الحوار الذي تلاها، وقد أدار الحوار بمجلس الشورى الأستاذ/ عبدالوهاب الفايز.
* الدكتور محمد الملحم: أحب أن أجاوب «الأخت الكريمة» الدكتورة «فاطمة» بما يلي:
من الناحية القانونية الصرفة لكل مرفق من مرافق الدولة «نظام»، ويجب أن يُلتزم به. ذكرتْ الأخت الكريمة أن هناك أموراً لا تدخل في منظومة اختصاصات المجلس.. هذا صحيح وأنا معها، ولكن العضو في المجلس عند ممارسته لمهامه وفقًا للصلاحيات التي مُنِحَتْ، فله أن يمارس صلاحياته من ضمن عملية الاقتراح، وإبداء الرأي في إطار المادة 23 من نظام المجلس. هذا لا يمنع أن يُبدِي العضو تصوراته حتى بالنسبة للمستقبل، ولكن دون أن (يقلل من هيبة المجلس) لأنه لم يمنح مثل ما عند «الأخت الكريمة» من طموحات وآمال وتطلعات ذات أهمية بالغة. أنا ذكرتُ في محاضرتي أن هناك مواضيع كنتُ أتمنى لو كل ما تحدثنا عنه في اللجنة العليا برئاسة سمو الأمير «نايف بن عبدالعزيز» على مدى اثني عشر عاماً أنه مُسجل، لأن هناك كثيراً من الأمور والآراء طُرِحَتْ للنقاش، وذكرتُ أن هناك «قاعدة للتوافق» وتم التمشي بمقتضاها في اللجنة العليا وكانت المعيار. لو كانت تلك المواضيع مدونة كان بإمكان «مجلس الشورى» أن يرجع إليها لأن فيها آراءً لم يُؤخذ بها في ذلك الوقت، ولكن حان الآن الوقت للأخذ بها بغرض الخروج على إطار الصلاحيات الممنوحة لأي مرفق بما في ذلك مرفق «مجلس الشورى». الآن يجب الالتزام بهذه الصلاحيات الممنوحة حاليًا والتفاعل معها. أَمَّا أن يُحاول أي عضو في المرفق حتى في مرفق «مجلس الشورى» أن يبوح للعلن بأفكار وآراء يجدها غير مدرجة ضمن صلاحياته فيما هو مطلوب منه أن يمارسه هو في حقيقة الأمر يُجهد نفسه، ولا طائل وراء ما يبوح به لأن في الأمر «توازناً» و«معادلات». قبل النظر في «نظام الحكم الأساسي»، وكما ذكرت في محاضرتي لكم وفي شفافية، أيها الإخوة والأخوات أن الدستور الوحيد في العالم الذي أَخَذَ «بنظام الفصل بين السلطات» تمامًا هو «الدستور الأمريكي»، وكما ذكرتُ أن «نظرية الفصل بين السلطات» مستبعدةٌ في الفقه السياسي الإسلامي. كنتُ في «أمريكا» منذ سنتين وشهور. الرئيس «أوباما» رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يعرف حدوده وصلاحياته، وهناك الكونجرس بقسميه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) له حدوده وصلاحياته، وهناك «المحكمة الفدرالية العليا الأمريكية» لها حدودها وصلاحياتها. وصارت حادثة كنتُ أشاهدها بنفسي في «شبكات التلفزيون الأمريكي». قلتُ لنفسي ما تم بشأن هذه الحادثة تطبيق رائع وسليم «لنظام الفصل بين السلطات» وفقًا للفقه الدستوري الأنجلو/ سكسوني. الرئي«أوباما» لم يكن على وفاق مع رئيس وزراء إسرائيل، «نِتِن يَاهو» وكان الأخير يرغب أن يزور «الولايات المتحدة الأمريكية» ليتحدث أمام الكونجرس بجناحيه، لم يستجب لذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يدعوه، تدخَّل رئيس مجلس النواب (طبعًا «مجلس النواب» في التكوين السياسي الأمريكي أقوى من رئيس «مجلس الشيوخ»). تدخَّل رئيس مجلس النواب، وأرسل دعوة لرئيس وزراء إسرائيل، وجاء المدعو إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وألقى خطاباً في المجلسين مجتمعين، وتحدث بما يرغب، وصفَّقوا له، وغادر الولايات المتحدة الأمريكية دون مقابلة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك قاعدتان في الدستور الأمريكي: «الرقابة» و»التوازن» Checks and Balances التي تحد من تعسف، أو استبداد أي سلطة من السلطات الثلاث كما يقررها الدستور الأمريكي.
رأيتُ حينئذ، وأنا أنظر في نظامي «نظام الحكم الأساسي» و»الشورى»، أن هذه الأفكار الأمريكية المشار إليها مستبعدة عندنا، ولم يكن في إمكاني حين وضعِي لمشروعَي «نظام الحكم الأساسي» و»نظام الشورى» أن أؤصلها فيهما. الأفكار أمامي كانت مُتاحة ناهيك عن حرية مطلقة أُتيحتْ لي كما حدثتكم في محاضرتي. حين وضعي لمشروعي نظامي الحكم الأساسي والشورى، أيتها الأخت الكريمة، رئيس أمريكا له صلاحياته التي يعرف مداها وحدودها في الدستور ألأمريكي، كما أن للكونجرس صلاحيات يعرف مداها وحدودها في الدستور ألأمريكي، ولمرفق القضاء الأمريكي له صلاحيات كذلك. ناقشنا هذه الأفكار في «اللجنة العليا لنظام الحكم الأساسي ونظام الشورى» لا رغبة منا أننا سنأخذ بها، ولكن لكي يكون عند أعضاء اللجنة العليا اطلاع عليها.
صلاحياتي محددة، وحينما ألتزمُ بها يرتفع شأني. هذه صلاحياتي لو رغبتُ كمسؤول أن أوسع منها، وأنا لست مُخَوَّلاً، هذا من شأنه التقليل من مكانتي. وأكرر أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في تقديمه للأنظمة الثلاثة، إذا اسْتُبْعِدتَ الثوابت، أردف أن التغيير قائم في الأنظمة الثلاثة، ولذلك حتى يُعطي جلالته لهذه الأنظمة الثلاثة قيمة. وإن كان من الملائم ألاَّ توضع الأنظمة الثلاثة تحت مسمى واحد مثل ما ذكرت لكم سلفًا لتلافي الفوضى القانونية في عالم المصطلحات، وبمعنى ألا يكون نظام الحكم الأساسي، من الناحية الدستورية، في مستوى (نظام المطبوعات أو نظام المرور أو نظام كذا وكذا). انظروا أيها الإخوة وأيتها الأخوات في المصطلحات الآن، وولاة الأمر يسعون للتحديث. أما ما ذكره الأخ الكريم «الثمالي» عن أن التطور التشريعي في المملكة قد نُوقش. أنتم تعلمون في عهد الملك عبد العزيز في البدايات وقبل عام 1351هـ حينما كان يُسَمَّى «ملك الحجاز» و»سلطان نجد» وملحقاتها (والأحساء كانت من الملحقات)، كان الوضع كما ذكرتُ لكم في محاضرتي أُنْشِئَ «نظام الشورى» في إطار محدود لأن «ثقافة المجتمع» في «منطقة الحجاز» تختلف من الناحية الدستورية والقانونية عن «ثقافة المجتمع» في «نجد» أو في الملحقات». ظروفٌ اقتضت أن يُسَايِرَ الملك «عبد العزيز» وهو «ملك الحجاز»، و»سلطان نجد»، وملحقاتها «ثقافة» مجتمع منطقة الحجاز آنذاك. ولِعلمكم لما وُحِّدَتِ المملكة بمسمى «المملكة العربية السعودية» في عام 1351هـ ارجعوا إلى الأمر الصادر بتسمية التوحيد تجدون عبارة (وضع نظام للحكم الأساسي) كانت مذكورة ضمن الأمر، ولكن الظروف لم تسمح وقتها بأن يُوضع «نظام للحكم الأساسي». إستشراف الماضي يُهيئ للإنسان في واقعه وفي مستقبله أن يعرف أين يضع أقدامه حاضرًا ومستقبلاً. ما نتحدث عنه أيتها الأخت الكريمة الدكتورة «فاطمة القرني» هي أفكار طيبة ذات مضامين قانونية لكن لا نرغب منها أن تخرج عن «الأطر» التي هِيَ فيه «كعضوة» في المجلس فيقال: إن فلانة تحدَّثت وأن فلاناً تحدَّث. أيها الأخت الكريمة: الخروج عن النصوص فيها ضرر أكثر وليس فيه مصلحة ظاهرة.
المحاور: هناك أسئلة عن (المادة 77 من نظام العمل) التي ناقشها المجلس مؤخراً، ومعالي الدكتور الملحم قبل سنة كان له رأيٌ طارت به الركبان في وسائل الإعلام وقتها. سُئِلَ عن المادة 77 من نظام العمل، ومما قاله عن المادة: إن هذه المادة من حيث الصياغة القانونية محكمة، ومن حيث المحتوى القانوني عادلة إذا نُظر إليها مجردة من الزمان والمكان، أي من البيئة المراد تطبيقها فيها، بل لا غبار عليها شكلاً ومحتوى إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوى معين. ويستطرد الدكتور «الملحم» قائلاً: أمَّا إذا أُريد منها «كمادة» أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا. هذه المادة صالحة للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق، وبمقتضى مفهوم المخالفة هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لاسيما إذا كانت العمالة ماهرة. تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عمل «مأساوي» «كارثي» في خصوص توطين الوظائف، ثم يختم «الدكتور الملحم» بقوله: رحم الله أستاذي الدكتور «جمال زكي»، من أساطير قانون العمل في كلية الحقوق جامعة القاهرة، الذي كان يُنادي بتوطين نص المادة بظروف البيئة المراد تطبيقه فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.
* الدكتور محمد الملحم: تعليقي على (المادة 77 من نظام العمل) كان ضِمْنَ أسئلة طُرِحَت عليَّ في حوار أجرته معي «مجلة غرفة تجارة الأحساء» في عددها الصادرة في شهري يناير - فبراير عام 2017م، وكان تعليقي في «مجلة الغرفة» بمناسبة قضية هي باختصار كالتالي: طالبة من بناتنا حصلت على ليسانس الحقوق أو القانون في «كلية قانون في بريطانيا»، ورغبتْ أن تحصل على رخصة في المحاماة هنا في المملكة. وكان نظام المحاماة ينص بغرض الحصول على الرخصة أن يتدرب خريج بكالوريوس قانون ثلاث سنوات في مكتب محاماة مرخص له، وحامل درجة الماجستير في القانون لمدة سنتي تدريب في مكتب محاماة مرخص، وحامل درجة الدكتوراه في القانون يحصل على ترخيص بدون مدة تدريب. هذه الطالبة الطموحة تقدمت لمكتب محاماة للتدريب بموجب عقد تدريب. بعد فترة تم فصلها بموجب المادة 77 من نظام العمل. فالتجأت إِليً، وتقدمتْ للجنة العمالية بوزارة العمل متظلمة. سار جدل وقتها حول لائحة قليلة المواد للتوقيع عليه من قبل المتدرب أو المتدربة من إعداد الإدارة العامة للمحاماة بوازرة العدل. فُصلت الطالبة المتدربة بموجب المادة 77... ولو اطلعتم على اللائحة ستجدون أنها ليست في صالح المتدرب أو المتدربة. ولعلاقِتي بالإخوان في إدارة المحاماة لأني كنت لفترة ثلاث سنوات عضوًا في اللجنة العليا للترخيص للمحامين أعددتُ لهم مشروع لائحة فيها حماية للمتدرب والمتدربة، وسوف تأخذ اللاَّئحة طريقها للتطبيق إن شاء الله. المكتب الذي فصل الطالبة المتدربة استند على المادة 77 التي تقضي بفصل المتدرب مع دفع أجر شهرين كمكافأة وما إلى ذلك. تقدمتْ المتدربة لمكتب العمل وساعدتُها في إعداد مرافعة لها تقدمت بها للجنة العمالية بوزارة العمل. الغريب في الأمر أن الطرف الآخر (مكتب المحاماة) أفاد أن القانون بيده، وأنه سيستخدمه بموجب المادة 77 الصادر بها مرسوم ملكي. مكتب المحاماة محق، حقيقة، في ذلك. وكما رُوِيَ لي، والله أعلم، أن الكثير من الشركات قد استخدمت هذه المادة، وفصلت الكثير من العمال المواطنين. مكتب المحاماة يدعي أن السلاح بيده لأن «ولي الأمر» منحه هذا السلاح بموجب المادة 77 ضمن نظام العمل الذي صدر به مرسوم ملكي. لقد أعددت ردًا على ما ادعاه «مكتب المحاماة» والرد بحوزتي لمن يرغب الاطلاع عليه. السؤال الذي يطرح نفسه هو التعرف علَى مَنْ اقترح هذه المادة 77 وهو وزير عمل؟ ولما سُئلْتُ عنمضامين هذه المادة قلتُ، كما سبق ذكره، أن هذه المادة عمل كارثي ومأساوي ضد التوطين الذي كان يسمى في فترة عهدي «كوزير» «السعودة».
من هو الذي كان ضد توطين المواطن السعودي فاقترح هذه المادة؟ ومن نافلة القول إن أي تشريع يُقترح ليكون «قاعدة» يلزم أن يأخذ هذا التشريع في الاعتبار صلاحيته من حيث التطبيق مع واقع المجتمع، لا أن يكون التشريع متعسفًا بغرض تحقيق مصالح خاصة. وهكذا وصفتُ المادة 77 من نظام العمل بأنها عمل مأساوي وكارثي ضد توطين الوظائف. ومنذ أن أبديت وجهة نظري ثار جدل حول المادة مني ومن غيري. وأنا مسرور أن تعديل هذه المادة الآن يعد مِنْ منجزات مجلس الشورى، المجلس أدخل تعديلات عليها وهذا أمر طيب، وعلى المجلس أن يتصدَّى لأي نظام فيه ثغرات ليست في صالح المواطن. وأنتم تشكرون أيها الإخوة والأخوات الذين يزاولون العمل حالياً كأعضاء وعضوات في مجلس الشورى حينما تتصدون (لمثل هذه السموم) في إطار أنظمتنا القائمة، وكم أتمنى، إن شاء الله، أن تخرجوا برأي مُوحد حيال المصطلحات ذات التصنيف الغريب الذي سبقت الإشارة إليه.
* المُحاور الأستاذ الفايز: شكرًا لك معالي الدكتور محمد، أعتقد إلى الآن أننا تجاوزنا ربما ساعة من الوقت حسب ما هو مقترح، ولكن الدكتور محمد له رأي مهم في دور (شعبة الخبراء بمجلس الوزراء) في ظل غياب مجلس الشورى، تفضل.
الدكتور محمد الملحم: أنا، وكما ذكرتُ في محاضرتي، في ظل عدم وجود مجلس الشورى من عام 1377هـ إلى عام 1412هـ أتذَّكر أنني أخطأت في شيء، وكان الصواب مع «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء. الذي حدث إنه قبل تشكيل وزارة الدكاترة كنتُ، وأنا عميدٌ لكلية التجارة، عضوًا في «مجلس إدارة مؤسسة الخطوط العربية السعودية»، وبقيتُ «كوزير» عضوًا بالمجلس بعد تشكيل الوزارة في 1395هـ. وبموجب نظام الخطوط كان يرأس المجلس وزير الدفاع أو ونائبه عند اللزوم فقط، وكان من ضمن الأعضاء بالمجلس وزراء بالإضافة إلى مدير الطيران المدني ومدير عام المؤسسة. حدث فراغ في نيابة وزارة الدفاع بعدما تخلِّى سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز عن عمله كنائب وزير. وفي النظام، وكما سبق ذكره، لا يجتمع مجلس إدارة المؤسسة إلاَّ برئاسة الوزير أو نائبه. وترتب على هذا الفراغ في نيابة وزارة الدفاع أن كانت مشاغل الأمير سلطان بن عبدالعزيز كثيرة، وتعذَّر انعقاد المجلس في ظل انشغال الأمير. سألني سمو الأمير «سلطان» عن الوضع؟ قلت له (وأرجو ان تسمع لهذا الأخت الكريمة د.فاطمة القرني): نُعدل النظام، ونخرج منه كوزراء. في ظل هذه الفترة جرت ترتيبات، وبعد تخلي سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز كنائب لوزير الدفاع وكان في مرتبة وزير، أن يرقَّى مدير عام الخطوط السعودية (كامل سندي) في مرتبة مساعدٍ وزير الدفاع لشؤون الطيران، وأن يرقَّى الفريق «عثمان الحميد» في رتبة مساعد الوزير في الشؤون العسكرية. قلت لسمو الأمير سلطان هذا لا يكفي. هؤلاء ليسوا في مستوى نظام الوزراء ونواب الوزراء، ولكنهم في مستوى أصحاب المراتب الممتازة. قال لي: ماذا نعمل؟. قلتُ له لِكي ينعقد المجلس يلزم تعديل نظام مؤسسة الخطوط حتى يتسَّنى للمساعد أن يرأس المجلس عند اللزوم، وقلت لسموه مداعبًا: «أنا» في التعديل سأتأثر عن طيب خاطر فأخرجُ من المجلس ومعي من هم وزراء. وافق سموه على ما ارتأيته، وأمرني باتخاذ اللازم. طلبتُ نظام مؤسسة الخطوط من «كامل عبدالرسول سندي»، وأجريتُ التعديل على النظام بحيث يكون لمساعد الأمير سلطان لشؤون الطيران المدني «كامل سندي» عند اللزوم حق رئاسة المجلس في حالة انشغال وزير الدفاع والطيران.
تم التعديل، واستبعد من المجلس الوزراء الممثلين فيه وكانوا وقتها: وزير التخطيط ووزير المواصلات ووزير المالية، بما فيهم محدثكم، وعلى أن يُمثلهم وكلاء وزاراتهم. أعددتُ مشروع التعديل، سلَّمته طبعًا لسمو الأمير سلطان بحكم اختصاصه «كوزير» ليرفعه لرئاسة مجلس الوزراء. أخذ مشروع التعديل مجراه إلى «اللجنة العامة لمجلس الوزراء»، ومن ثم إلى «مجلس الوزراء» ومن ثم صدر به قرار من المجلس ليُحال إلى الجهة المختصة وقتها وهي «شعبة الخبراء» المعنية بإعداد المرسوم الملكي بالتعديل. وكما سبق أن ذكرتُ في محاضرتي كان يرأس شعبة الخبراء المختصة بإعداد المرسوم الملكي بالتعديل (زميل دربي معالي الدكتور «مطلب بن عبدالله النفيسة). سُرَّ الأمير «سلطان» إن الموضوع مَرَّ على المجلس. بعد فترة هاتفني سمو الأمير «سلطان» بأن موضوع التعديل قد أُعِيدَ إليه. استغرب سموه من الأمر متسائلاً؟ قلتُ لسموه: أعدْ ملف التعديل لي لتفهم الأمر، من ثم سوف أخبر سموكم عما حصل. القصة ببساطة هي أنني أجريتُ التعديل الذي اقترحتُه بموجب نظام مؤسسة الخطوط الذي طلبته من «كامل سندي» فأرسله لي بصفة رسمية على أنه هو النظام المعتمد في المؤسسة. تفهمت المشكلة، وتبين لي أنني اعتمدتُ على نظام طبعته المؤسسة في كتيب، وغيرت في ترتيب فقرات بعض مواده، وترجمته إلى اللغة الانجليزية، ومن ثم وزعته حتى على منظمة «أياتا» التي مقرها في كندا والتي كانت المؤسسة عضوًا فيها. وكما هو معروف أن أي نظام يتكون من مواد، وبعض مواده تتكون من فقرات محددة. المادة الأولى، مثلاً، تتكون من ثلاث فقرات، المادة الثانية تتكون من فقرتين ... وهكذا.. وبعد صدور النظام بمرسوم ملكي يُنشر في الجريدة الرسمية، (أم القرى) كما هو. ما حدث هو أن مؤسسة الخطوط قامت بطبع النظام دون مراعاة لترتيب فقرات مواده كما صدر به المرسوم الملكي، ونُشِرَ في جريدة أم القرى، وهنا كان موطن المشكلة أو مصدر الخطأ. تعتمد «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء في إصدار الأنظمة أو تعديلها على ما هو منشور في أم القرى، وبمعنى عند التعديل تتبع «الشعبة» في إصدار المرسوم مواد الأنظمة مادة مادة، وبموجب فقرات كل مادة كما هي منشورة في أم القرى. الشعبة عندها نظام الخطوط العربية السعودية كما صدر في أم القرى وهي على حق. أما أنا فتسلمت نظام الخطوط من «كامل سندي» مرتبة فقراته على هوى المؤسسة باللغتين العربية والإنجليزية. أخبرتسموه عن سبب المشكلة. ومن أنني لست مخطئًا. اعتمدتُ في التعديل على النظام الذي تسلمته من المؤسسة، وبمقتضاه أجريتُ التعديل، فاعترضت عليه «شعبة الخبراء» شكلاً، وهي محقة فيما ارتأته، حيث إن الفقرات التي استندتُ إليها ليست الفقرات نفسها كما هي مُصاغة في النظام المنشور بصحيفة أم القرى. في الحال هيأت التعديل من جديد وفق الفقرات كما هي في النظام المنشور في جريدة «أم القرى». شكرت وقتها «شعبة الخبراء» على حرصها في موضوع شكلي ذي أهمية بالغة في صياغة الأنظمة. وأنا أشكرها الآن أمامكم، مرة أخرى، لأنها توخَّت الدقة في ذلك الوقت. تم التعديل كمقترح، وأخذ دورته إلى «مجلس الوزراء»، ومن إلى «ديوان الرئاسة»، ومن ثم إلى «شعبة الخبراء» لإصدار المرسوم بالتعديل. وكما سبق ذكره نحن طلعنا من مؤسسة الخطوط كوزراء، وجاء الأعضاء الجدد بموجب التعديل في مرتبة وكلاء. هذه ظاهرةٌ تستحق أن تُدَرَّسَ لطلاب القانون في كليات قانون جامعاتنا ليراعوها في صياغة مشاريع الأنظمة (القوانين).. وبعد التعديل بفترة أنشئت لجنة لتعديل «نظام جريدة أم القرى»، وكنت أنا أرأسها وبعضوية معالي الدكتور مطلب النفيسة ومندوب من وزارة المالية. وبعدها توحدت الأمور في «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء لتكون بعد نظام مجلس الوزراء عام 1414هـ لها الصلاحية في خصوص طبع الأنظمة ونشرها.
* المحاور الأستاذ الفايز: شكرًا لكم، وأعذرونا إن أطلنا عليكم، لكن تجربة «أبوعبد العزيز» معالي الدكتور الملحم فيها جزء مهم من تاريخ بلادنا، فبقدر ما نستمع إلى هذه التجربة بقدر ما نشتاق لنتعرف أكثر وأكثر عن هذه التجربة والتجارب المماثلة لرجال الدولة الذين كان لهم الدور في تكوين الدولة الحديثة، ونمو المؤسسات، وأيضًا «أبوعبد العزيز» في تجربته عاصر رجال الدولة (الملك فيصل - الملك خالد - الملك فهد - والأمير نايف الذي كما لاحظتم تَبَنَّى إطلاق كلمة «القانون» لكي يُخفف، ويسهل عملية تدوين الأنظمة التى كانت ضرورية لدولة حديثة ناشئة.