من على ضفاف الأطلسي تنكر المفكر الشمالي خالص جلبي لسنين عمره التي قضاها فى السعودية كونها كانت سنين ألم وفاقة وضياع.
ثلاثون عاما قضاها بيننا لم تشفع لمرؤته أن تنتصر على شيطانه المتمرد الذي أناخ ركائبه أخيرا فى المغرب الشقيق.
في النزع الأخير من رحلته العمرية يتنكر خالص جلبي للسعودية والسعوديين فى مشهد أعاد إلى الواجهة سؤالا نطرحه دائما فى أوساطنا السعودية المختلفة، لماذ يتنكر لنا أخوتنا العرب الذين شاركونا الحياة، وشاطرونا المغانم ؟ ، لماذا بعد أن يقضي الكثير منهم أكثر من نصف عمره أو ربعه أو خمسه يعود إلى دياره وهو محملا بالمثالب وكل عبارات التنقص للأرض والعرض والإنسان ؟
اعتقد أنها كما قال الخالص خالص، إنه المناخ وتغيراته، فمناخنا الصحراوي يؤثر على طبيعتنا ويجعلنا عربا اجلافا!، لكنه وبالمقياس نفسه لا يؤثر في العرب الذين عاشوا بيننا عقودا طويلة، ربما يعود ذلك لقدرتهم على التكيف مع الحياة الجديدة فيصبحون أكثر ملائمة وموائمة للعيش والاستعمار، ولكن ما الذي يجعل (مفكرا) كخالص يمقت سنوات ضياعه في السعودية ؟.
اعتقد أن الأمر يعود للانبعاثات الفكرية التي نشأ عليها الكثيرون أمثاله والتي أثرت على مناخهم التصالحي العام مع الذات والناس، مع الأرض والقيم والأفكار، هذه الانبعاثات تساهم في تآكل طبقة التفكير العلياء، مما يجعل الجماجم عرضة لتيارات نفعية وإشعاعات مضرة تجلي هولاء وتكشفهم على حقيقة غيهم وجهلهم وبعدهم عن الحقيقة والواقع.
الأن الخالص والخلص من أتباع تلك الطريقة -طريقة الجحود - يهاجرون إلى مناطق أكثر اعتدالا في مناخها ويشترون بيوتا تكون مآل ظعنهم الطويل، وهنا تبدأ مرحلة تكيف جديدة مع المناخ والحياة ومتطلباتهما، فتتغير الوجوه، وتسفر الجلود عن ألوانها الجديدة، وتغرف الألسن من قلوب اضناها التقلب والجحود والنكران لمرحلة طويلة كانت كلها مكاسب ومغانم كثيرة، لعل المال كان أحد أهم شواهدها الخالدة، والذي لم يزده مناخ تلك الصحراء القاحلة إلا بركة وتكاثرا ونماء! ، مكنت متكيفا متلونا من شراء منزل على ضفاف بحر الظلمات، ليودع مرحلة وهبته كل شيء وتستقبله أرضا، حكما ستستريبه، لأنه جحد أرضا قبلها في أقصى الشرق بعد أن آوته ثلاثين عاما وزيادة.
كثير من الانقلابات الفكرية يحكمها المال والمصلحة، وبعض الخلص لذواتهم المفطورة على حب المال يمارسون هذا النهج فوق كل أرض وتحت كل سماء، يساعدهم في ذلك قدرتهم على التكيف والتلون تبعا لدرجات الحرارة وتغيرها صعودا وهبوطا.
** **
- علي المطوع