حين يكون الوفاء هو الدافع للكتابة، والاعتراف بالفضل هو المضمون، والاعتزاز بعلمائنا هو الذي يجب أن يكون، أجد حروفي طيّعةً لتدوين شهادة للتاريخ، وحفظ أقلّ ما يجب لأستاذي صاحب الفضل أبي أوس الشمسان، من أفدت منه علمًا وخلقًا.
أبو أوس، إبراهيم بن سليمان الشمسان، من عرف بكنيته بين طلابه ومحبيه وفي المؤسسات العلمية، كانت محافظة المذنب بمنطقة القصيم هي محطته الأولى في حياته العلمية، بعدها تعددت مشاربه والبيئات العلمية التي نهل منها، فتنقل بين القصيم والرياض والقاهرة وغيرها من البلدان.
اللغة بقضاياها هي الحاضرة في حياة أبي أوس، بها ولها يكتب، وعنها يتحدث، ومنها وبها ولها يستشهد، ولأجلها ينقُدُ ويعقّبُ، له في تاريخ النحو إسهامات، وفي أصول النحو كتابات ومؤلفات، وفي تيسير تعليمه مشاركات وكتابات، تعرفه المجامع اللغوية، والندوات والمؤتمرات الدولية والمحلية، له مع الجُمَلِ وقفات ومؤلفات، ومع الحروف دراسات وتعليقات، وفي مجال الأسماء مداخلات ومعجمات.
تقفُ وأنت تطالع ما يكتب أو تسمع ما يقول، أمام عالم نحوي، وناقد لغوي، وراصد معجمي، يحاور القدامى من النحويين واللغويين ويجلّهم، وينقدهم من غير استنقاص جهودهم، له اجتهادات وآراء، يوردها بعد استقصاء وتأصيل موضع التحرير. نقده العلمي يُشعرك بحارس أمين للغته، وتعقيباته وتساؤلاته تجعلك أمام مراقب ومحاسب دقيق لكلِّ متجاوز في عباراته وأساليبه.
النتاج الفكري والمعرفي لأستاذنا الشمسان، وتنوعه يجعلنا أمام عالم وهب حياته للعلم، أحبَّه، وعاش له، يؤصل مسائله، ويوجه شواهده، ويحاور مضامينه، لا يسلّم من غير نقاش، ولا يناقش من غير حجة، ولا يحتجّ بقول لا تسنده الأدلة والشواهد، يربط بين القديم والحديث، ويؤلف بينهما، لا يقدم قديمًا لقِدمه ولا حديثًا لجدته، يوازن بين الأقوال ويرجح ما ظهر له وإن خالف أقوال السابقين. وفيٌّ لوطنه، قريبٌ من مجتمعه، يرصدُ الظواهر اللغوية في حياة الناس، ليجعلَ اللغة حياةً حيَّة. من يتتلمذ على يديه يكتسب منهج التدقيق والتحقيق والتحرير معًا، حين يغيب (الأنا) يحضر العالم الشمسان بتواضعه ورقي طرحه. حين يكون أستاذك هو الشمسان فقد نلت حظًا من التوفيق، فأنت بين يدي المعلم والأب والموجّه، عمدةٌ في هذه كلها، مرفوع أصالة في قلوب طلابه، مبتدأ مخبر عنه بجملة لا حصر لها من الصفات النبيلة، له الصدارة والأصالة، من يتعثر يسنده، ومن تتقطع به سُبل البحث يرشده ويهديه السبيل. قيمٌ الوفاء -في عصر كثر فيه الجفاء- تتجلى في تعاملات أستاذنا أبي أوس، حين يقابل أساتذته أو يتحدث عنهم تدرك هذه القيمة، إنه سلوك العالم، وما يجب أن يكون عليه طلاب العلم من وفاء لمن أحسن إليهم ولمن له فضل في مسيرتهم العلمية. ما يميّز الشمسان أنه يحفظ الود لأصحاب الفضل، ولا ينصرف عن ذلك، ثناء، ودعاء، وإرشادًا إلى تراثهم والعناية به، يلمس هذا كلُّ من تتلمذ على يديه. سيحتفظ التاريخ بما قدّمه للعربية، وسيُضاف إلى قائمة علمائنا الكبار، فهو المسند إليه جميل الخصال، وهو الذي لا ينصرف عن أخلاق أهل العلم، له إسهامات علمية ومؤلفات كثيرة، في النحو والصرف، والنقد اللغوي، وتاريخ النحو، وإصلاح الخطأ، والمجال النحوي التطبيقي. ما بدأت الكتابة عن أستاذنا الشمسان وما انتهيت، لكنني أشرت واستثرت محبيه ليكتبوا عن جوانب من حياته.
** **
- ياسر الشرعبي