الإنسان أولًا!! في مدة تجاوزت ثلاثة عقود، خبرت فيها الدكتور أبا أوس إبراهيم الشمسان عالمًا مثقفًا متأملًا ودودًا، ينصت لكل من يحاوره بهدوء وطمأنينة، ثم ما أن يتكلم حتى يكون كلامه معرفيًا موزونًا، يكشف عن سعة علمه واطلاعه.
يترفع عن الصغائر، واثقًا أبيًا شامخًا، يتحلى بأجمل الأخلاق... خاصة صفة التواضع، ودماثة الخلق، وحسن المجاملة والعشرة! يتحكم بعواطفه الجياشة، ويطلق العنان لفكره حكيمًا منصفًا في آرائه ومواقفه، مع جرأة علمية في إحقاق الحق، ووضع الأمور في نصابها.
وما أنْ يشعر بأنّ هناك من يسعى إلى أن يتصرف بسوء النيات.. حقدًا وحسدًا في مسائل علمية، أو يرتهن لمشاعر الأضغان الشخصية؛ فإنه حينئذ يدرك جيدًا أن هذا الميدان الآخريّ الخبيث ليس ميدانه، وأنه أسمى من أن يردّ على أية حماقات تصدر من «رويبضات» التعليم، الذين قد يرون في شتيمة العلماء لهم رفعًا لقدرهم.
كان أبو أوس منذ اليوم الأول في مسيرة معرفتي به إلى اليوم رجلًا مخلصًا لكرم الرجولة وحكمتها، يعي جيدًا أن تقديره لذاته الحميدة، يكمن في تقديره للآخرين وحمدهم.. أساتذةً وزملاءَ وطلابًا؛ لذلك تميزت علاقاته الإنسانية بمن حوله ممن يستحقون التقدير والاحترام بكونها علاقات حميمية، ومن ثم لم تسمع عنه في أي يوم من الأيام إلا ما يؤكد ثباته على أخلاقه الكريمة ومثاليته النموذجية في تصرفاته والتزامه بمسيرته البحثية والتعليمية والمجتمعية الجادة التي تجعل كل من يعرفها يزداد بها إعجابًا... فأبو أوس - بكل تأكيد- رجل بقامة علمية محلاة بإنسانيته ذات الشفافية العليا في مستوى علاقاته بالآخرين.
والباحث ثانيًا!! الأستاذ الدكتور أبو أوس الشمسان عالم باحث في اللغة العربية، وباعه طويلة في كتبه ودراساته ومقالاته التي نقلت اللغة العربية من ثقافتها المعجمية إلى تداوليتها في استخدامها وتحولاتها، ولم يجعل بحثه في مجالات ضيقة، كما يفعل كثيرون غيره عندما يتعاملون مع لغتنا باعتبارها شواهد واستخدامات شاذة أو متحجرة. تقرأ له وكأنك تقرأ نصًا إبداعيًا، محبوكًا بلغة سردية ماتعة. هذا هو العالم الحقيقي؛ أي عندما يسخر الباحث معرفته وأدواته المنهجية في خدمة لغته في مستواها العصري، فيجيز ويسوغ كثيرًا من الاستخدامات للغة، في حين نجد هناك من لا يعترف إلا بلغة العصر الجاهلي.. أو من كرس خمسين سنة من عمره في دراسة استخدامات (إذا، أو، الفاء، إنّ ...إلخ) في نصوص تراثية، ويفرضها أيضًا على طلابه أو طالباتها، وكأنّ اللغة أشلاء وأوصال!!
أبو أوس باحث متميز، بدأ بحثه الحقيقي بعد أن حصل على الأستاذية، فكانت سنوات عمره التي تلت الأستاذية مليئة بالمنجز البحثي اللغوي... لم يكن همّه الأول الأستاذية، وإن كانت مهمة أيضًا، لكنه ما زال يحب أن ينادى باسم ( أبو أوس إبراهيم الشمسان)... وفي المقابل هناك من قضى ثلاثين عامًا للحصول على الأستاذية بأبحاث الحد الأدنى (عشرة أبحاث كمية تراكمية)، وبعد أن نالها كبّر حجم الأستاذية أمام اسمه؛ ليستخدمها في الهيمنة على طلابه أو طالباتها، وصار يلوح بها هنا وهناك، وكأنها نهاية التاريخ!! وربما مكث ربع قرن بعد الأستاذية، لم يقرأ كتابًا، ولم يكتب بحثًا!!
والمكرّم ثالثًا!! يستحق الدكتور أبو أوس إبراهيم الشمسان، أن يكرم من جهات عديدة، ومن جامعة الملك سعود أولًا؛ لأنه عالم، لم يتوان لحظة عن خدمة كل من يحتاج إلى علمه... فهو أستاذ باحث، وأكاديمي مميز في التزامه بدروسه في قاعات الدراسة، وفي إشرافه على طلابه، وفي خدمته للمجتمع في مقالاته الجمّة في الثقافية بجريدة الجزيرة. ومما يتوجب علينا زملاء أبي أوس أن ندرك جيدًا بأن مقالة صادقة هي أقل ما يمكن أن يقال بحق عالم من علمائنا ومثقفينا، فهو يستحق كل التقدير والاحترام. وهو عالم في زمن قلّ فيه أمثاله، بارك الله فيه ورعاه.
** **
- د. حسين المناصرة