سنَّت (الجزيرة الثقافية) سنة حسنة بالاحتفاء بالرواد والعلماء في حياتهم؛ ليقفوا على شيء من تقدير المجتمع لمنجزهم، ويطلعوا على ما يختلج في صدور محبيهم وطلابهم من مشاعر الوفاء والإجلال كِفاءَ ما سلخوا من أعمارهم، وأنفقوا من أوقاتهم وصحتهم في سبيل العلم والنهضة.
وقد قضى غير واحد من الرواد الكبار قبل أن ينالوا ما يستحقون من تكريم، وربما مُنِحت الجوائز التقديرية، ودُبِّجت القصائد، وانثالت المقالات بعد وداعهم، والأدهى من ذلك أن يشعروا في حياتهم بنكران جميلهم، أو تنكُّب طريقتهم، أو الاستنكاف عن إنزالهم منازلهم، ثم يأتي الاحتفاء بعد الغياب، وحالهم كما قيل:
لا أَعْرِفنَّك بعد الموت تندبني
وفي حياتيَ ما زودتني زادي
وقد أحسنت (الثقافية) مرة أخرى باختيار العلَم الـمُحتفَى به، وهو أستاذنا الكبير أبو أوس إبراهيم الشمسان، ولست في مقام التعريف به، فهو.. هو، نار على عَلَم، سلك طريقًا لاحبًا في العلم، وأشرَعَ بتآليفه ومقالاته وإيراداته مواردَ للفهم، وحوى له الله مكارم الأخلاق، وأحسبُ كل من عرفه أو كتب عنه سيذكر هاتين الخصلتين: العِلم وحسن الخلق، وحسبك بهما صفتين جامعتين للفضائل. وإنك سامع عن بعض الناس ما يُعجِب، فإذا رأيته صغّر الخَبرَ الخُبْرُ، وأما أستاذنا فما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري.
وقد أكرمني الله بالتتلمذ على يديه في الدراسات العليا، وشرفت بإشرافه عليّ، فوقفت على علم جمّ، وخلق رفيع، ونصح وتواضع. يكرم طلابه، ويُحِلهم محل أبنائه، ويتعاهدهم، ويتصل بهم –وإن قصّروا- ويبادرهم بالتهنئة في المناسبات المختلفة، ويحثهم على مواصلة البحث والدرس.
وصحبته في سفر علمي فزاد معرفتي به يقينًا. لا يحوجك إلى تكلف أو تصنع، ويتحفك بالفائدة الفريدة، والآبدةِ المعجِبة، والنادرة المضحكة.
وإني أدعو أن يكون هذا الاحتفاء سببًا وسبيلًا إلى منح أستاذنا أبي أوس جائزة من جوائز الدولة التقديرية، فهو لها خليق، وبها حقيق، ومؤلفاته على ذلك شاهدة، وإليه داعية.
** **
- د. عبدالعزيز بن أحمد المنيع