من الأشياء الجميلة في الحياة أن تلتفت إلى الوراء بشيء من الحنين، وأن تستخدم القلم لنسج ثوب من الكلمات عن هذا الوراء (فالحياة لحظات متوالية، وأن تعيش كل لحظة فيها يعني أنك ناجح)، وغني عن القول إن في زوايا حياة كل امرئ علامات ذات توهج تعسر مقاومته، أو الإشاحة عنه، وهاأنذا يقتسمني نهبان، نهب ينزع بي نحو خوض غمار بحر الكتابة وبشيء من الخجل عن قامة بمثل قامة أستاذي الأستاذ الدكتور أبي أوس إبراهيم الشمسان؛ إذ لن أكون بمأمن من التقصير في حقه، ونهب آخر يريد بي القعود عن هذا الأمر، لكن كبت العواطف مضر بالنفس البشرية، فالكتابة رئة ثالثة تتنفس من خلالها، اجتمعت أنا وثلة من زملاء المرحلة في سياق زمني معين كنا فيه ضيوفا على اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، وكنا على مائدة أحد قاماتها، كان أستاذنا الدكتور إبراهيم الشمسان علامة باسقة ذات طلع نضيد من العلم والأخلاق والرقي والنصح، سرعان ما انعقدت بيننا وبينه ألفة عجيبة، وبدأ شلال من الحب يتدفق بقوة في نفوسنا نحوه، أستاذنا علم فعلّم، أعجبنا به إلى حدّ الانبهار، يمتلك قدرة عالية في تفحص الآراء والاحتمالات وتوظيفها في أبوابها المختلفة، هو وجه للعربية مشرق، مسكون بالوفاء لأساتذته وزملائه تشهد بذلك مقالاته وكتاباته، وهبنا طرقا في التفكير فريدة، ودفع بنا نحو فهم للمسائل بأسلوب محبب، فالأساتذة يمشون وأستاذنا يطير، لا تزال نقاشاتنا معه عالقة بالذاكرة متناثرة في زواياها هنا وهناك، قد حفرت في نفوسنا أخاديد تجري فيها كلماته العذبة يصعب ردمها، مهما أظلتنا سحب الحياة ستبددها خيوط شمس ذكراه الجميلة.
كلامك كالسحب الجميلة يمطر
يغير أحوالا وحالا يغيّر
تذاكرك الأصحاب حين تسامروا
وأحرفك البيضاء في القلب تسهر
** **
- د. راضي الرويلي