الحديث عن الأب أمر ليس سهلا فكيف إن كان مثل والدي. حين نشأت في منزل تتدخل اللغة العربية في أدق تفاصيله: الكتب، السلوك، العادات؛ لم أتوقع قط أني سأميل للثقافة الغربية كل الميل بحكم هواياتي الشخصية، فتشربت تلك الثقافة الغربية وأتقنت لغتها الإنجليزية.
وكما عودتنا وربيتنا في منزل يسوده الحنان ويطوقه الحزم لم تجبرني يا أبي على اختيار شخصيتي، ولم تنتقدني وأنت القيمة والقامة في اللغة العربية، كنت أتأملك وأنت تكتب وتقرأ وتدون، كنت أتأملك؛ لأنك ملهم بشكل لا يوصف، وبطريقة تبهرني، ما زلت أتذكر كيف علمتني الأوزان العربية بلطف (فعل يفعل فهو فاعل وذاك مفعول) وحفظتني الأناشيد المطلوبة، والسور المقررة، وخاطبتني بروح محبة.
وحين مرت السنون وأصبحت شابًا يافعًا وبدأت تتضح معالم شخصيتي وتنضج أدركت حينها الأرضية المشتركة التي تجمعني بك، وأني أنا فيّ شيء منك أنت.
كثيرة هي الصفات التي تجمعني بك: ملامح وجهي، تصرفاتي، صوتي، حُبي للمنزل، والمبيت باكرًا، اهتمامي بالعمل، وهي من أحب صفاتي التي تابعتك فيها، شرحت لي كيف أحب ثقافتي وكيف أتقن العربية، وأنا البعيد عنها كل البعد بسلاسة وتناغم. أدرك الآن وأعي معنى شطر نزار حين قال: هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي. وهنا في القلب أبي القيمة والقامة.
** **
- بدر بن إبراهيم الشمسان