«الجزيرة» - تقرير وتصوير - محمد المنيف:
لأول مرة يكون للفن التشكيلي السعودي حضور مشرف بالدعم أو بالمشاركة بنخبة من أجياله بين رواد بدايات ورواد أساليب، ومثل هذا الحضور الذي نتوقع استمراره في دورات قادمة بموجب الشراكة الجديدة بين معهد مسك آرت مع آرت دبي مودرن المقام ضمن فعاليات معرض آرت دبي الثاني عشر وتمثلت المشاركة في حصرية دعم المعهد لآرت دبي مودرن، حيث اشتملت الشراكة على صالات عدة بلغت ستة عشرة صالة هي (أجيال أرت غاليري من بيروت، أكارا أرت غاليري من مومباي، أربا أرت جاليري من طهران، لوفيلون بلو من تونس، البارح من المنامة، دي أي جي مودرن من نيودلهي - مومباي، المرسى من تونس - دبي، غروسفينور غاليري من القاهرة، مارك هاشم من نييورك - باريس ـ بيروت، غاليري ون من رام الله، حافظ جاليري من جدة، كريم فرانسيس جاليري من لندن، بيرفي جاليريا من لشبونه، سانشيت آرت من نيودلهي، ابونتو أرت من نيودلهي، وادي فينان أرت جاليري من عمان) تم في تلك الصالات عرض أعمال نادرة لرواد الفن الحديث من المنطقة، بالإضافة إلى عرضٍ لفيلم «إطلالة نحو السعودية» الوثائقي والذي يعتمد تقنية الواقع الافتراضي ويحكي قصة مجتمع يزخر بكثير من التنوع والتعدد، ويعيد رسم صوره بمنظور جيل جديد من الفنانين المعاصرين.
إعادة الحياة للوحات رحل مبدعوها
وأضاف معهد مسك للفنون صالة خاصة ضمن مجموعة أرت دبي مودرن أقيم فيها معرض تحت عنوان (خوض غمار حياة ضروس) سلط الضوء فيه على خمس مجموعات ومدارس فنية حديثة عبر خمسة عقود من الزمان ما بين (1940 - 1980م) وفي خمس مدن عربية من بينها المملكة العربية السعودية، وجاءت المجموعات على النحو التالي: (جماعة الفن المعاصر في القاهرة (أربعينات وخمسينات القرن العشرين)، وجماعة بغداد للفن الحديث (خمسينيات القرن العشرين) ومدرسة الدار البيضاء (ستينات وسبعينات القرن العشرين) ومدرسة الخرطوم (ستينات وسبعينات القرن العشرين) ودار الفنون السعودية في الرياض (ثمانينات القرن العشرين).
هذه الصالة وهذا المعرض أعيد فيه الحياة لمجموعة هامة في تجربة الفن العربي تولت اقتناءها دور عرض وأفراد، فكان المعرض بمثابة إحياء ذكرى فنانين راحلين في مختلف الدول العربية ما أعاد للزوار الدور الكبير الذي قام به أولئك الفنانين الغالبية منهم راحلون وبقت إبداعاتهم شاهدا عليهم وعلى مرحلة إنتاجهم في وقت لم يكن للفن فيه ما يتحقق حاليا من سبل انتشار واهتمام رسمي ومد جسور عربية عالمية والعكس.
مجاراة الفن السعودي للفنون العالمية والعربية
ومن المهم هنا ومن خلال هذا المعرض الذي أعده الفنان أحمد ماطر مدير معهد مسك للفنون وصاحب المبادرة بهذه الشراكة، يمكن للباحث والناقد والمتابع وحتى المتعامل مع تسويق الأعمال الفنية أن يكتشف ما حققه التشكيليون السعوديون من تميز ومجاراة لمن سبقهم إذا عدنا إلى الفارق الكبير بين بدايات الفن التشكيلي في الدول العربية من خلال تواريخ الأعمال لتي انتقيت منها غالبية الأعمال المشاركة في المعرض ما بين الأربعينات وصولا إلى الثمانينات التي حددت فيها مشاركة الفن السعودي وهو فارق كبير تخللته أيضا تواريخ أخرى من الخمسينات والستينات والسبعينات، ومع الفارق الكبير بين بديات كل دولة وتأخر دخول الفنان السعودي في هذا المضمار إلا أنها لحقت بهم ويكفي ما شاهده الزوار من أعمال لا تقل بل تتوازي أو تتفوق عن أعمال السابقين لهم في الفكرة والتنفيذ، كما يمكن كشف ما نتج عن التواصل بين الفنين السعوديين وبين من سبقوهم من خلال قيام العديد من رواد الفن العربي بتدريس الفنون في المملكة بمعهد التربية الفنية في الستينات والسبعينات الميلادية.
السليم والرضوي وأساليب تحمل الهوية
خلال دراستي الفنون على أيد رواد عرب كنا مجبرين على التأثر وكثير ما برز ذلك التأثر في قادم أيامنا وعلى أعمال جيلنا ولم نكن ندري وقتها أن هناك من يسعى للتفرد والخروج بهوية وطنية تنسب لنا مستخلصة من البيئة والمجتمع ولم أكن أعرف الفارق إلا بعد زمن طويلة ومستفيضة كانت المعارض المحلية المنبع الذي استقي منه أسسوا وثائق ذلك البحث عن الهوية فيما يعرض، واليوم وبكل اعتزاز وبما وثقناه ورصدناه في حياة الفنانين الرائدين السليم والرضوي واختلف معنا البعض حول اساليبهم المتفردة اصبحنا نراها وبكل وضوح ونرى حقيقة خصوصيتها كما هي خصوصية الفن العراقي والمصري والسوداني الذين احالوا لوحاتهم إلى هوية مناطقهم والمعروضة جنبا إلى جنب مع الخصوصية السعودية في ما قدمه السليم في مدرسته، (الافقية) المنسابة الخطوط برومانسية التي تحاكي أفق الصحراء وما يتخلل تلك الخطوط من عناصر تذوب في تلك الألوان وتحي بالسراب الصحراوي مع ما أضافه من جمل وعبارات تنسجم مع إيقاعه وإتجاه حركته من يمين إلى يسار اللوحة والعكس فجعل من الصحراء الهوية والمنبع والملهم لإبداعاته، كما نشاهد أيضا تفرد الفنان الرضوي بإيقاعه الديناميكي الحركة والمفعمة بالعناصر والذي أحيانا يجعل الحركة الدائرية التي استنبطها من الطواف حول الكعبة وحركة الكواكب كمنطلق فلسفي في كثير من أعماله، إذاً فهذان الرائدان في الفن السعودي حضورا وأساليب حققا بها اهم اهداف العمل الفني حيث يشكل الأسلوب بوصلة ترشد المشاهد إلى مصدر إلهام الفنان وهوية العمل.
جيل الحداثة في الفن السعودي
تضمن المعرض أيضا أعمالا لزميلين يعدان من رواد البدايات حيث نجد أعمالا للفنان عبد الرحمن السليمان أحد رموز الفن السعودي حضورا ونقدا يكتشف من يتابع تسلسل ابداعه منذ الثمانينات الميلادية، كما نراه في لوحة السوق التي لا تخلو من التأثر مرورا بالأعمال الأخرى التي بدء يجد الفنان السليمان أول خيوط أسلوبه إلى أن وصل إلى الاختزال والرمز في أعماله الأخيرة التي سجل بها ريادته وامتلاكه الهوية الخاصة التي لا تخرج من مختزل بيئي واجتماعي دون مباشرة كانت بدايتها معرض (حفريات).
اما الفنان علي الرزيزاء فقد وجد نفسه في توظيف الزخرفة الشعبية (النجدية) وعناصر البناء والمجتمع وتشكيلها لتتناسب مع متطلبات اللوحة المسندية ناقلا تلك الزخرفة من الجدران والأبواب وتوثيقها بأسلوب معاصر.
كنوز تنتظر الاكتشاف في الفن السعودي
حضور الفن التشكيلي في أرت دبي مودرن وبدعم من معهد مسك أرت وبهذا العرض المقارن مع بقية الأعمال القديمة الجديدة والجديدة المعاصرة لا يعد المحطة الأخيرة كما اعلم وإنما هناك خطوات تجتوز بها مهد مسك للفنون حدود الوطن إلى العالمية بنقلة لم يكن للفن السعودي مثيل لها منذ انطلاقته عام 1976م مهما قدمت أعمالا وشاركت بمعارض تشكيلية في مناسبات ثقافية سابقة لا يمكن اغفالها إلا أنها لم تكن بهذا الحجم والاستراتيجية التي نأمل أن يقوم المسؤولون في مهد مسك وعلى رأسهم الفنان أحمد ماطر التنقيب والبحث في أعماق التجربة السعودية ففيها كنوز لا تنضب من أجيال سابقة مؤسسة ومن أجيال شبابية معاصرة.