يقع هذا الكتاب الذي ألفته حصة بنت عوض الحربي في 623 صفحة، ويحتوي على مقدمة، وخمسة فصول، ناقش كل فصل عددًا من الموضوعات، وقائمة بالمصادر والمراجع. كما احتوى الكتاب ضمن طياته على عدد كبير من الصور والخرائط والوثائق.
ابتدأت المؤلفة في مقدمة الكتاب بالحديث عن أهمية العلاقات الكويتية موضحة قلة ما كُتب عن هذه العلاقة. وربما أوثق ما يعكس هذه العلاقة الكلمة القائلة (الهند هندك لو قلّ ما عندك). ثم تكلمت عن الموقع الجغرافي للكويت الذي لعب دورًا مهمًّا في التواصل التجاري بينها وبين الهند؛ لذا كان توجه الكويتيين إلى البحر طلبًا للعيش نتيجة لقسوة الظروف الطبيعية المحيطة.
لم يكن موقعًا بحريًّا فحسب، بل كان طريقًا بريًّا، يخدم منطقة نجد وبادية الشام وصولاً إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وهي مدخل مهم من شمال شرق الجزيرة العربية، وكان أول اتصال تجاري بين الكويت والهند إبان حكم الشيخ عبدالله بن صباح الأول 1764 - 1865م. ويعد عام 1780م هو بداية وصول السفن الكويتية إلى الهند.
تحدثت الباحثة في الفصل الأول عن العلاقات التجارية بين الكويت والهند، وبيّنت أن حكام الكويت بدءًا من الشيخ صباح الأول 1756 - 1762م شجعوا التجارة؛ فأصبحت الكويت ميناء مزدهرًا. وقد ساعد على ذلك علاقات الكويت الطيبة مع الهولنديين في جزيرة خرج. في عام 1756م فرغت السفن الهولندية حمولتها في ميناء الكويت بعد خلافهم مع المستلم في البصرة.
اهتم الشيخ عبدالله آل صباح 1762 - 1814م بالتجارة الكويتية، وكذلك الشيخ صباح الثاني بن جابر 1859 -1865م؛ فازداد حجم التجارة الكويتية، وذلك عن طريق أسلوب الإدارة المرنة، وتخفيض الرسوم على الواردات. وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ مبارك الصباح 1896 - 1915م؛ فاهتم بتأمين الطرق التجارية للقوافل حفاظًا عليها من السلب والنهب واعتداءات القبائل. ولتسهيل مهمة نشاط التجارة في الخارج اهتم الشيخ مبارك بن صباح بوسائل الاتصالات؛ ففتح مكتبًا للبريد عام 1904م لتسهيل الحركة التجارية ونشرها.
وقد ناقشت الباحثة أيضًا ظهور الشركات التجارية الملاحية العاملة بين الكويت والهند مبينة أن تطور وسائل النقل البحري الأوروبي وظهور الشركات الأوروبية في الخليج العربي أسهم في تطور الكويت تجاريًّا واقتصاديًّا. ويعتبر البرتغاليون هم أول الأوروبيين الذين وصلوا إلى الخليج العربي في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، ثم تلاهم الهولنديون عبر شركة الهند الشرقية الهولندية، ثم الإنجليز من خلال شركة الهند الشرقية الإنجليزية عام 1600م، ثم فرنسا عبر شركة الهند الشرقية الفرنسية. واستمرت شركة الهند البريطانية الشرقية حتى عام 1961م تحمل البضائع من الهند بواسطة سفن مؤجرة لعملاء هنود إلى موانئ الخليج العربي، بما فيها الكويت، بمعدل رحلتَين شهريًّا.
تكلمت «الحربي» عن طبيعة المبادلات التجارية بين الكويت والهند؛ إذ عدت القرن التاسع عشر بداية ظهور الكويت الحقيقي سياسيًّا واقتصاديًّا، ودخولها مجال النقل البحري مع الدول القريبة والبعيدة؛ لأنها امتلكت أسطولاً من السفن الشراعية الضخمة قادرًا على إيصال تجارتها إلى الهند وسواحل شرق إفريقيا.
وفي مطلع القرن العشرين أصبح ميناء الكويت من أهم موانئ الخليج العربي. وقد اعتمد أهل الكويت على الهند في تأمين احتياجاتهم الأساسية؛ إذ استوردت الكويت من الهند معظم احتياجاتها الاستهلاكية، ومن أهمها المواد الغذائية، مثل: الأرز، والسكر، والبهارات، والقمح، والشاي، والمكسرات، وكذلك الأقمشة والمنسوجات كالأقمشة الشتوية من الصوف والكشمير وبعض الأقمشة الصيفية، وكذلك الأخشاب ومواد بناء السفن. وفيما يتعلق بالصادرات الكويتية إلى الهند فقد كان من أهمها: التمور، واللؤلؤ، وكذلك الخيول العربية.
تكلمت المؤلفة عن الارتباط النقدي بين الكويت والهند. وقد أشارت إلى أن الشيخ مبارك آل صباح عام 1914م جعل جميع معاملات الكويت التجارية مع الهند بالروبية الهندية إلى أن صدرت العملة الأساسية في الكويت عام 1961م؛ وهذا يعكس ويدلل على عمق العلاقات الهندية - الكويتية في تلك الفترة.
ناقشت الباحثة أحوال الكويتيين في الهند، وتكلمت في البدء عن البدايات الأولى لاتصال الكويتيين في الهند ونشاطهم الاقتصادي، وذكرت أن أقدم وثيقة تدل على اتصال تجاري بين الهند والكويت كانت في 15 أكتوبر عام 1795م. ولم يقتصر الأمر على فتح مكاتب تجارية لتجار الكويت في الهند بل أصبح هناك مكاتب لتعليم التجارة واللغات الأجنبية والانفتاح على العالم الخارجي. ثم تكلمت عن تجارة تهريب الذهب والعملات المعدنية، وتكلمت كذلك عن التأثيرات الهندية في المجتمع الكويتي، ومن أهمها: اللغة؛ فقد دخلت بعض الكلمات الهندية إلى المجتمع الكويتي مثل: (الدريول) السائق، (جوتي) حذاء، (ليسان) رخصة القيادة، وغيرها من الكلمات. وقد استحسن الكويتيون أثاث البيوت الهندية؛ فجلبوا إلى الكويت كثيرًا من ديكورات المنازل والأبواب والشبابيك وبعض الأدوات التي لم تكن معروفة في الكويت، مثل: المكواة على الفحم، والبخور، والسرير.. وغيرها. كما انتشر الطعام الهندي، مثل: البرياني، والجباتي، والسمبوسة، وعرفوا التوابل الهندية والمكسرات.
وأخيرًا ناقشت الباحثة أثر انتهاء الحكم البريطاني الاستعماري لشبه القارة الهندية؛ إذ انقسمت القارة الهندية إلى دولتَين، هما الهند وباكستان، وقامت بفرض الضرائب الباهظة على التجار الكويتيين؛ وهو ما اضطرهم مع ظهور النفط الكويتي إلى العودة إلى بلادهم من عام 1951 - 1960م.
تكلمت الباحثة في الفصل الثالث عن أهم البيوت التجارية والشخصيات الكويتية المترددة على الهند، وذكرت العديد من البيوتات التجارية، مثل: البسام، ويودي، وغيرهما. وكان حديثها في الفصل الذي يليه عن الهنود في الكويت؛ إذ كان أول ذكر للهنود في الكويت يرجع إلى أوائل القرن الثامن عشر 1793م في عهد الشيخ عبدالله بن صباح؛ إذ تنوعت أنشطتهم التجارية في الكويت، وأهمها: استيراد المعلبات، والأواني المنزلية، وإنشاء مصنع للمواد الغازية في الكويت. ومن أهم أنشطة الهنود في الكويت: إنشاء الوكالات التجارية، والقيام بالأعمال المصرفية، وكذلك العمل في شركات النفط.
وفي الفصل الخامس كان الحديث عن العلاقات السياسية بين الكويت والهند والتمثيل الدبلوماسي الكويتي في الهند، ثم وضّحت موقف الكويت من القضايا الهندية، وأهمها: قضية كشمير 1948م، والاعتداء الصيني على الهند عام 1962م.
وقد أضافت الباحثة حصة الحربي للمكتبة التاريخية كتابًا وثائقيًّا شاملاً، يمتاز بالشمولية والدقة والتوثيق العلمي المتميز. ورغم ضخامة المادة العلمية إلا أن الكتاب جاء حافلاً بالمعلومات المستوحاة من المادة الوثائقية، والمرجعية، والشفوية. والكتاب كان رسالة ماجستير، لكن الباحثة أضافت له البيوت التجارية بعد نشره.
وتطلّب إعداد الكتاب من الباحثة زيارة عدد من الدول والعواصم العربية والأوروبية، وزيارة الهند للوقوف بصدق على المعلومة الصحيحة. كذلك تطلب الأمر قيام الباحثة بلقاءات ومقابلات عدة لعدد من الشخصيات الكويتية والهندية والخليجية للوقوف على المعلومة الصحيحة، وتوثيقها بشكل صحيح. وأنا أستعرض هذا الكتاب فإنني - بحق - أعجز عن شكر الباحثة عما قدمته، وعما حواه مؤلفها الضخم من معلومات ومعارف، وأكرر ما كتبته الباحثة في صفحة غلافها الأخير: «شكرًا من الأعماق للذين رحلوا، وتكبدوا مر المعاناة، إلى الذين جابوا البحار لطلب الرزق والعيش الكريم».
** **
د. مريم بنت خلف بن شديد العتيبي - جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز