كتب الأستاذ يوسف العتيق وفقه الله مقالاً بعنوان: (الباحثون في التراث المحلي.. هل هم باحثون عن الفتنة؟) في صفحة الوراق العدد رقم (16538) أورد فيه أمران وهما: أهمية البحث في التراث المحلي, وأهمية تأهيل الباحثين في ذلك.
وهذان الأمران أحدهما باعث -دافع- والثاني ضابط فاجتماعهما عامل مهم في نجاح تدوين التراث المحلي, سواء المحكي عن السابقين, أو ما يكون في وقائع الواقع المعاصر.
وهذان الأمران إن تحقَّقا فإنَّهما يُنتجان باحثاً ماهراً في التدوين, إذا تمَّ تأهيل الباحث بالمنهج المناسب الذي يرسم الخطط العريضة له..
ووقائع التاريخ المحلي قد يكون بعضها حسَّاساً أو يكدِّر صفواً, ولكن هل كل تلك الوقائع يجب أن تروى وتدون, أو يُدوّن ما يصلح منها فحسب بناء على ما يراه كاتبها؟
من هذه المسائل وأمثالها تأتي أهمية وضع الضوابط والتقعيد لها من هيئة متخصصة في التاريخ أو مجلس يُعنى به, يلتزم بها الباحثون فيما يكتبون, وفيما بعد قد ترد إضافة أو مراجعة لتلك الضوابط والتقعيدات تدقيقاً وتصويباً وإضافة, وهذا مجاله مجال الباحثين والمهتمين, ومحلُّه محل الدراسات الأكاديمية المتخصصة.
إنَّ رواة التاريخ كثيرون, ولكن المقلِّبون لصفحات أولئك الرواة قليلون, وهم ما بين ماهر يستطيع استخراج تلك الصفحات فيقيَّدها وإن تطلَّب الأمر بمقارنتها بصفحات غيرهم قارَن, ومن ثمَّ صياغتها بعبارة سهلة مفهومة, وكذلك ما كتبه الأسبقون عن التاريخ كثير, ولكن كتَّابه متفاوتون, أفضلهم وأكثرهم قبولاً من توسَّط بين طرفين, فصار منصفاً, يُدقق وينظر ويفحص ويقارِن, ويعتذر لغيره ويتأدب معه إن رأى منه خطأ في واقعة تاريخية, ولا يميل إن مال غيره, ولا يحيد عن الإنصاف إن حاد غيره, أما من تابع غيره فيما وقع فيه من خطأ تقليداً وترديداً, لا بحثاً ولا ترجيحاً, أو مال إلى هوى نفسه, فصار ممسكاً بأحد الطرفين, فقلَّ أن يُقبل له كلام, وقد يكثر عليه الراد والملام.
ثم إنَّ الباحث في التاريخ يحتاج إلى فقه اللغة العربية نحواً, وصياغة للعبارات وما تنبني عليها من معان مهمة, كي يفهم كلام المؤرخين على الوجه الصحيح, ويكتب ما يريد كتابته بأسلوب صحيح واضح حتى يفهم منه على المعنى الذي يريد إيصاله, لذلك فإنَّ الناظر في هذا الأمر لن يستغرب ما يقع فيه بعض الكتَّاب وفقهم الله عند قراءتهم لكتب التاريخ من استنتاجات تَقلبُ التاريخ عمَّا هو عليه, أو تقود إلى رأي على خلاف مراد المؤرِّخ, أو تدعو إلى الطعن في ذلك المؤرخ واتهامه بما هو بريء منه.
وكما هو معروف لدى الجميع أنَّ دارة الملك عبدالعزيز هي الجهة المتخصصة بتدوين تاريخ الدولة السعودية, ولها اهتمام كبير بالتوثيق, وقد أصدرت مشكورة كثيراً من الكتب التاريخية في ذلك, فلو نشرت منهجية علمية من أسس وتقعيدات وعمَّمتها حتى ترسم الطريق, ليسير عليها المهتم في تدوين التاريخ المحلي, وأقامت دورات تدريبية للمهتمين في هذا الجانب يقوم بها أساتذة التاريخ من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية, لكان في ذلك حراكاً نافعاً, خدمة للتاريخ وتقويماً لمدونيه.
** **
- عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري