«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
جميعنا يعلم حق العلم أن «غريزة» الأمومة موجودة لدى الأنثى منذ اللحظات الأولى لولادتها، وتتنامى معها يوما بعد يوم ولكنها تزداد عندما تصل خلال فترة البلوغ وما بعد ذلك.
هذا ما يؤكده علماء الجنس البشري وأصحاب الاختصاص من علماء السلوك. وتبقى غريزة الأمومة لدى الفتاة هادئة إلى أن تلد مولودها الأول، فإذا بهذه الغريزة تطغى على كل غرائز الأنثى. وبالتالي هذه الغريزة تصبح قوة مؤثرة في التكوين النفسي والجسدي لدى الأم. وتتجلى أكثر وأكثر عندما تصبح أما. وتدرك النعمة الكبرى التي وهبها إياها الخالق عزَّ وجل باختيارها دون الرجل للحمل والانجاب وتربيتهم والعناية بهم أكثر من الزوج. فتجدها كما عشنا مع أمهاتنا رحمة الله عليهن كيف كن يبذلن الجهد طوال ساعات اليوم في زمن لم تتوفر فيه الخادمات، اللهم إلا بصورة محدودة لدى بيوت الميسورين والأثرياء والأعيان.
ورغم تعدد المهام والأعمال المنزلية تجد الأم تمارس دور الأمومة على أحسن وأكمل وجه.. بل انها لا تتيح لزوجها التدخل في عملها كأم فنادرا ما تكلفه بمهمة العناية بأولادها رغم ان الأسرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيرة العدد. حتى ولو أظهر زوجها روح الصداقة والتعاون والرغبة في مشاركتها في شئون الأولاد وتربيتهم، فهي تحب ان تكون هذه الشئون ضمن نطاق اهتماماتها. ومن هنا فالزوج الحصيف يعلم ان كونه رأس الأسرة. فزوجته الأم هي قلبها النابض. ومع مرور الأيام والسنين تحافظ الأم على غريزتها حتى ولو لم يتواجد أبناؤها حولها كما كانوا في الماضي. فهي تتابعهم بل ربما لا تنام قريرة العين عندما تشعر بأن أحد الأبناء أو البنات يعاني أو تعاني من شيء ما، مشكلة بسيطة أو مرض عارض، فهي مازالت تشعر بهم وتشاركهم افراحهم ومتاعبهم، بل نجدها تتجه أكثر للزوج إذا كان ما زال حياً يعيش معها في نفس البيت، فحبها له يتحول إلى مزيج من حب الزوجة والأم معاً، فهي تخاف عليه وتقلق لو غاب عن البيت، بل انها تكاد تعلن عن غيرتها رغم انه قد تجاوز عقده السادس، ويسير بخطى حثيثة نحو دروب الشيخوخة المزدانة بالتجاعيد والضعف.
إن روح غريزة الامومة تتجه بوصلتها إلى الزوج لتحيطه زوجته بالمزيد من الحنان والاهتمام والرعاية وحتى الخوف عليه.. ربما بعض الزوجات لا يحسن التعبير عن مشاعرهن في هذا المجال، ولكنها موجودة وكثير من الأفلام العالمية التي جسدت حكايات وقصص الأزواج من خلال دراما أسرية مؤثرة صورت للمشاهدين مدى غيرة وحنان الزوجة العجوز على زوجها، وكم تناقلت وسائل الاعلام في السنوات الأخيرة صورة لرحيل بعض الأزواج بعد زوجاتهم بساعات والعكس صحيح.
إنه الحب الذي امتزج وتكون مع مرور الأيام والعشرة بين الزوجين او بين الام الزوجة وزوجها الذي تعتبره طفلها الكبير، ولو لم تقل ذلك او تعبر عنه، لكن وكما قال الشاعر العربي: (الصب تفضحه عيونه).. وكم شاهد البعض منا مواقف ومشاهد نرى فيها الزوجة تقوم دائما بدور يشتمل على نوع من الأمومة نحو زوجها وان لم تفطن فهي عاطفة ومشاعر تلقائية تستطيع ان تشاهدها داخل غرف المرضى الكبار عندما تجد زوجاتهم إلى جوارهم يرعونهم ويأخذون في التخفيف من آلامهم ومواساتهم بالكلمات الطيبة الحنونة.
وشخصيا شاهدت مثل هذه الحالات خلال عملي بالصحة.. وجميعنا يعرف زوجة الاديب الكبير طه حسين، الكفيف، وكيف اهتمت به زوجته الفرنسية «سوزان» وأخذت به منذ كان زميلا لها على مقاعد الدراسة في جامعة السوربون. وكذلك مازالت «جين وايلد» التي تزوجت من طالب بحث شاب يدعى «ستيفن هوكينج» في عام 1965، كانت تعرف بالفعل أنه مصاب بمرض خطير، ويعاني من «مرض رهيب وشلل واضطراب»، وما عرف بعد ذلك بأنه مرض الخلايا العصبية الحركية. ومازالت حتى اليوم ترعاه وتعنى به، بل إنها صرحت مرة بقولها إنه جزء مني!.
وماذا بعد الحديث عن غريزة الأم، حديث يطول ويحتاج لمجلدات لا «اطلالة» محدودة المساحة والكلمات، فيا ما في حياتنا من قصص وحكايات.