الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نوّه عميد السلك الدبلوماسي في المملكة، وسفير جيبوتي لدى المملكة ضياء الدين بامخرمة بالخدمات الجليلة التي تضطلع بها المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين والأراضي المقدّسة، وأنها كانت على قدر المسؤولية العظيمة التي وضعها المولى على عاتق شعب وقيادة المملكة، مشيداً بعمق العلاقات والتعاون بين جيبوتي والمملكة ومتانتها، والتناغم الكبيرين في الرؤى السياسية للقيادتين في كثير من الملفّات والأزمات السياسية في المنطقة.
وتناول السفير الجيبوتي في حواره مع «الجزيرة».. ضرورة تجديد الخطاب الديني ومسؤولية العلماء والدعاة دون التنازل عن أصول الدين الحنيف الصالح لكلّ زمان ومكان، وتصحيح صورة الإسلام في الداخل قبل الخارج من خلال ترسيخ وإبراز القيم الإسلامية النبيلة.
وأكّد عميد السلك الدبلوماسي أنّ الإسلام دين التّقدّم والتطوّر والحضارة، وأنّه لا بد من صب الاهتمام والتركيز على العلم، وتبنّي أحدث ما وصلت إليه المعرفة في شتّى حقولها، مشدّداً على أنّ الدول الإفريقية يمكن أن تتغلّب على مشكلاتها من خلال استغلال مواردها البشرية والطبيعية والمادية وغير ذلك، وفيما يلي نصّ الحوار:
بصفتكم عميد السلك الدبلوماسي في المملكة.. كيف تنظرون للجهود التي تضطلع بها المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين؟
- هذا شرف ومسؤولية حبا الله بها المملكة العربية السعودية الشقيقة لتكون قبلة المسلمين ومهد الإسلام ورأس العرب، فأصبح دورها بخدمة الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة واجبا نشهد أنها كانت على قدر المسؤولية العظيمة التي وضعها المولى على عاتق شعب هذه المملكة، وبفضله سبحانه وتعالى سخر لها قيادة حكيمة وحّدت أرجاء الجزيرة العربية وأمّنت طرق الحجاج والمعتمرين والزوار تحت راية التوحيد الخالدة التي كان وما زال وسيظل ديدنها خدمة الإسلام والمسلمين والحفاظ على دين الله الحق الواحد الأحد ناصعاً نقياً عظيماً.
وفي إدارة الحج الذي يتوافد في موسمه ملايين البشر، أثبتت المملكة أنها قادرة على تسخير كل ما تملك لخدمة الحجاج ومناسك الحج، فتجند كل أبنائها من مليكهم إلى أدنى مواطن لخدمة ضيوف الرحمن، ولم يأت إطلاق لقب «خادم الحرمين الشريفين» على ملوك هذه البلاد عن فراغ، وإنما تجسيداً للخدمات الجليلة التي يقدمونها للبيت العتيق وقاصديه من حجاج ومعتمرين وزوار.
هناك تعاون وثيق بين المملكة وجيبوتي.. ترى ما أبرز ملامح التعاون بين البلدين؟ وماذا قدمت المملكة على وجه الخصوص في بلادكم؟
- كانت المملكة العربية السعودية -وما زالت- داعماً أساسياً لجمهورية جيبوتي منذ نيل استقلالها عام 1977م، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، إضافة إلى التنسيق والتعاون المشترك القائم بين البلدين الشقيقين.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت العلاقات الأخوية والسياسية متانة، لتشهد آفاقا أوسع من التعاون الاستراتيجي منذ زيارة فخامة الرئيس السيد/ إسماعيل عمر جيلة إلى المملكة قبل نحو عامين. وتجسدَ التناغم التام في الرؤى السياسية للقيادتين الحكيمتين في كثير من الملفات والأزمات السياسية في المنطقة، تضامنت فيها جيبوتي مع شقيقتها المملكة العربية السعودية، ومن أمثلة ذلك عضوية جيبوتي في التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن، وفي التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، كما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عقب الاعتداء الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، مطلع العام الماضي كما خفضت مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في أزمة الخليج الأخيرة، وغير ذلك من مجالات ومواقف التضامن المشترك الذي نفتخر بها كوننا أشقاء متحدين على الخير.
تجديد الخطاب الديني صار مطلباً حيوياً في وقتنا الحالي الذي انتشرت فيه الأفكار المتطرفة بمعظم دولنا العربية والإسلامية، فما الآليات التي يمكن من خلالها تطوير هذا الخطاب؟
- الإسلام دين متجدد وصالح لكل زمان ومكان، وهذا يتطلب من الجهات المعنية من علماء ودعاة ومناهج تدريسية ذات علاقة تضافر الجهود في سبيل احتواء المستجدات الشرعية، وتطوير الخطاب الديني والتواصل مع الآخر، على نحو يراعي تبدل العصور وتشابك المصالح بين الأمم، دون التنازل عن أصول الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان.
وتجديد الخطاب الديني مطلب شرعي ثبت في السنة النبوية، كما في حديث «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وتحقيقه مسؤولية مشتركة بين القادة والعلماء والدعاة والتربويين وغيرهم، كلّ من موقع مسؤوليته وميدان عمله، وفق الضوابط الشرعية.
وأما الجمود الفكري والتمسك بتفسيرات متشددة خاطئة لنصوص الشريعة الإسلامية السمحة الصالحة لكل زمان ومكان، فإنما ينم عن جهل وضيق أفق فكري لدى دعاة التطرف والتخريب والمغرر بهم من الفتيان والشبان في العالم الإسلامي وخارجه.
رغم حملات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب فإن التقارير الواردة من معظم المجتمعات الغربية تؤكد أن الإقبال على اعتناق الإسلام في هذه البلاد مستمر.. بم تفسر ذلك؟
- الإسلام دين الجميع، فلم يختص بعرق معين أو قومية بعينها كما هي الحال في بعض الأديان، وذلك سبب واضح لإقبال الناس عليه في مشارق الأرض ومغاربها. يضاف إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى تكفل بنشره وإيصاله إلى الناس كافة.
وإذا أمعنّا النظر في التقارير والإحصاءات التي تشير إلى استمرار وتزايد أعداد معتنقي الإسلام في أوروبا وأميركا والاتحاد السوفياتي وغيرها، ندرك الحكم الجليلة والمقاصد العظيمة التي يحملها الحديث النبوي الشريف «ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين... إلى آخره».
وفي هذا الصدد، نرى أن تقوم الجهات المعنية في العالم الإسلامي باعتماد وتطوير فقه المسلمين في غير البلدان الإسلامية، أو ما يطلق عليه «فقه الأقليات»، وتشكيل هيئات علمية شرعية متخصصة تدرس أوضاع المسلمين في البلدان غير المسلمة وتساعدهم على معالجة الإشكاليات الدينية التي تواجههم باستمرار، على نحو يضع في الاعتبار، الفوارق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والتشريعات بين الدول الإسلامية وغير المسلمة.
بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين يؤكدون أن تصحيح صورة الإسلام في الغرب ينبغي أن يبدأ من داخل العالم الإسلامي.. هل ترى ذلك؟
- إن تصحيح صورة الإسلام في الخارج مسؤولية ثقافية وحضارية عظيمة يجب أن يتشارك فيها الدعاة والإعلاميون المسلمون والملحقيات الثقافية في سفارات الدول الإسلامية. ولكن التصحيح يجب أن يبدأ من الداخل، من خلال ترسيخ وإبراز القيم الإسلامية النبيلة، وتصحيح واقع الأمة المسلمة، وتلك أيضا مسؤولية مشتركة ينبغي أن تتكاتف من أجلها الأسرة والمساجد والمناهج التدريسية ووسائل الإعلام. وبهذه الطريقة تكتمل الصورة المراد تصحيحها ويكون لها أثر بالغ، وأتفق مع قول إن تصحيح يجب أن يكون من داخل العالم الإسلامي؛ وإلا ما كانت ظهرت لدينا هذه الأفكار الضالة التي استندت في حجبها على ضعف الاجتهاد والفقه في بعض المراحل الزمنية وسمحت ببروز التطرف والشطط والانزلاق لأبنائنا الصغار الأبرياء الذي استطاع الأعداء والمرجفون والمجرمون غسل أدمغتهم وعقولهم وجرهم إلى التهلكة منقادين من خلال التحكم عن بعد (ريموت كنترول) فيما لا ناقة لهم به ولا جمل.
كيف يتحقق للمسلمين في عالم اليوم نهضتهم العلمية وتعود لهم ريادتهم الحضارية؟ وهل يمكن أن تتحقق النهضة بمعزل عن الدين كما يرى البعض؟
- يتحقق ذلك -من وجهة نظرنا- في صب الاهتمام والتركيز على العلم، وتبني أحدث ما وصلت إليه المعرفة في شتى حقولها من تقنية وطب وهندسة وإعلام واقتصاد وإدارة وغيرها، ثم التفكير في النقطة التالية، وهي الانتقال إلى مرحلة الابتكار والاختراع، وتحقيق السبق والريادة في مختلف المجالات.
والإسلام دين التقدم والتطور والحضارة، ودين العلم والمعرفة، بدليل أن أول آية قرآنية نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حثّت على القراءة بصفتها مفتاح العلم. ومن خلال الإسلام حقق المسلمون ما حققوه من ريادة في عصور ازدهارهم المعرفي، كعهد ابن سيناء، وجابر ابن حيان، والخوارزمي، وغيرهم.
ومن ثم إعطاء لأصحاب العقول النيرة وللمفكرين والنخب الحقيقية من أصحاب الفكر والثقافة مساحة عمل في ظل حرية الرأي والإبداع وتقديم العلماء والمفكرين المبدعين إلى الصفوف الأمامية لقيادة الأمة فكراً واقتصاداً وعلماً وسينعكس ذلك بدوره على السياسة.
تعاني القارة الإفريقية من مشكلات كثيرة، وعلى الرغم من توافر موارد عديدة بها فإنها لم تستغل بالشكل المطلوب.. كيف تتغلب القارة السمراء على مشكلاتها؟
- فتحت الكثير من الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة أبوابها أمام مشروعات استثمارية عالمية عملاقة، مما يلقي بظلاله على الحراك التنموي في تلك البلدان، وهذا يعني أن إفريقيا اليوم ليست التي عرفناها قبل ثلاثين أو عشرين عاما.
ومن المعلوم أن القارة الإفريقية تمتلك موارد كبيرة في جميع الميادين، ومنها: الموارد البشرية، والموارد المعدنية والنفطية، والموارد الزراعية، والموارد السمكية، وموارد الغابات، رغم أنها لم تستغل بعد كما يجب.
والدول الإفريقية كغيرها من الدول النامية يمكن أن تتغلب على مشكلاتها من خلال استغلال مواردها البشرية والطبيعية والمادية على النحو الأمثل، وإشراك الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة في عملية التخطيط التنموي والدراسات المستقبلية.
وينطبق هذا على الدول الأفريقية الشقيقة هنا ما ينطبق على بقية الدول الإسلامية التي ذكرناها في السؤال السابق فهناك أكثر من 30 دولة إفريقية هي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، ونسبة المسلمين في القارة الإفريقية عظيم.
** **
ضياء الدين بامخرمة - عميد السلك الدبلوماسي