قراءة - محمد المرزوقي:
صدر لسعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» كتاب جديد، بعنوان: «لا يا سمو الأمير! مائة مقال ومقال»، عن دار مدارك 2017م، في تسع وخمس مئة صفحة من القطع الكبير، الذي ضمنه المالك (مائة مقال ومقال عن مائة يوم ويوم)، نشرتها صحيفة «الجزيرة»، إلى جانب (ملحق) حواه الإصدار، متضمناً (17) مادة، لتصريحات وبيانات مختلفة، التي جمعها المالك في هذا الإصدار، الذي قال عنه: هذا الكتاب محاولة لاستقراء الأزمة القطرية، والتعرف على سلوك النظام القطري، من خلال تتبع تطوراتها، ومواكبة أحداثها، في عمل يرصد ما حدث حتى آخر مقال كتب عن هذه الأزمة، بينما لا يزال النظام القطري يرفض الحلول والوساطات والطلبات، إمعاناً في التبعية لإيران، وإصراراً على أن تكون قطر في المعسكر الآخر المعادي لدول مجلس التعاون، بل وأغلب الدول العربية في المشرق والمغرب؛ إذ آمل أن يكون تشخيصي للحالة القطرية تشخيصاً صحيحاً، وأنه لامس الواقع، وتعمق في قراءة الأزمة وتداعياتها قراءة صحيحة.
مائة يوم ويوم!
وعن المائة مقال ومقال، أضاف المالك: حاولت من خلال مائة مقال ومقال، أن أواكب الأزمة القطرية مع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وأن تكون هذه المتابعة يومياً بكتابة مقال، بما يستجد من تطورات عنها، إثر قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وإقفال الحدود البرية والبحرية والجوية معها، إذ كان التصعيد من الجانب القطري كبيراً وخطيراً ومتواصلاً، وكان من الواضح أن هناك تأثيرات خارجية في توجيه السياسة القطرية في تعاملها مع موقف الدول الأربع، وكانت ردود الفعل التي تحارب الإرهاب قاسية وقوية ومؤثرة فيما وصلت إليه العلاقة مع قطر إلى هذا المستوى الخطير! وقد لعبت وسائل الإعلام في كل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، دوراً قوياً في كشف التآمر القطري على الدول الأربع وغيرها، ولم تغب وسائل الإعلام الأجنبية عن المشاركة في الإبقاء على الأزمة دون حل، من خلال إغراء النظام القطري على الصمود، بالدعم والمساندة له ضد الدول التي تتصدى للإرهاب!
* تلاقي الفكرة والأهداف!
أما كيف جاءت فكرة جمع هذه المقالات التي نشرت في صحيفة «الجزيرة»، وإصدارها في كتاب؟ ولماذا؟ فقد أجاب المالك قائلاً: شجعني عليها الحرص على توثيق هذه الأزمة للتاريخ من خلال رؤية شخصية، ومن مراقب ومتابع لها، وقد صادف حدوثها خلال رئاستي لتحرير صحيفة يومية تصدر في عاصمة المملكة العربية السعودية؛ ومن المؤكد أن وجود هذا العدد من المقالات اليومية حين تصدر في كتاب، فإلى جانب توثيقها، فإن ذلك يسهل على القراء الاطلاع عليها بشكل متواصل وليس متقطعاً، وبالتالي يكون بإمكانه أن يعود إليها كل ما كان هناك مراجعة، أو حديث عن هذه الأزمة، التي كانت هناك قوى خارجية ذات أطماع في إقناع قطر بأن تركب مركب الخيانة الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه في علاقتها مع أشقائها، ويأتي على رأس هذه القوى إيران التي كل تفكيرها أن تتمدد وتتوسع على حساب دولنا لإقامة إمبراطوريتها الفارسية، ومثلها تنظيم الإخوان المسلمين، وهذا التنظيم أيضاً يسعى إلى إقامة دولة له، وهناك تركيا وهي الأخرى لن تنسى انهيار الدولة العثمانية وأحلامها في عودتها من جديد، بخلاف دول استعمارية أخرى ليس لها مصلحة من استمرار التعاون والتفاهم بين دول مجلس التعاون.
رسالتا الإهداء
وفي إهداء الكتاب، وجه المالك رسالتين، الأولى: إلى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (شبيه صقر الجزيرة الملك عبد العزيز)، الذي حقق أكبر وأهم وحدة عرفها التاريخ في العصر الحديث، وصنع منها دولة مترامية الأطراف، ذات شأن عظيم، هي المملكة العربية السعودية؛ أما الرسالة الأخرى فقال المؤلف فيها: إلى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (شبيه أبيه حمد بن خليفة آل ثاني)، الذي تآمر على أبيه الشيخ خليفة آل ثاني حاكم دولة قطر، وغدر به، واستولى على الحكم في قطر، ومنعه من العودة إلى البلاد سنوات طويلة! إليهما أهدي هذا الكتاب الذي ضم مائة مقال ومقال عن الأزمة القطرية، وعن تشخيصي للحالة في قطر التي باعها نظامها لإيران في سوق الخيانة!.
شهادة وزير الثقافة
ومما جاء في تقديم معالي وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عواد بن صالح العواد، قال معاليه: «رأيت في موضوعات الكتاب عن أزمة قطر ما تستحق أن يضمها مثل هذا الكتاب، الذي تميز بالشمولية، وكتب بأسلوب رصين، وعبارة رشيقة، مع التزام بتقاليد الإعلام السعودي من حيث الصدق، وقول كلمة الحق، والابتعاد عن الابتذال في الطرح، والموضوعية في تناول القضايا ذات العلاقة بمصالحنا ومصالح أشقائنا، وما يميز الكتاب أنه تابع تطورات أزمة قطر مع جيرانها وأشقائها خطوة بخطوة، بمقال يومي على مدى مائة يوم ويوم، مما مكّن الكاتب أن يحيط بهذه التطورات، ويقدم تحليلاً وقراءة لها، ويعبر عن وجهة نظره وموقفه منها، باعتدال، وهدوء، ومراعاة لميثاق الشرف الذي يوصف به الإعلام السعودي، بما يجعلني أرشح الكتاب للقراءة، فهذا الكتاب بحسب قراءتنا له، يستحق أن يكون أحد المراجع المعتبرة لمن يريد أن يؤرخ أو يكتب عن تاريخ المؤامرات القطرية، وتوظيفها للمال والإعلام لخدمة هذه الأهداف العدوانية.
ما بعد عنوان الكتاب!
أما المقال :»لا يا سمو الأمير!»، الذي جاء عنوانا للكتاب، فقد جاء فيه:» الأمير الشاب بتصريحاته المتناقضة التي أطلقها، أثار الكثير من الاستغراب ، لكونها لا تخدم الاستقرار في المنطقة، ولا تؤدي إلا إلى مزيد من العزلة لقطر، والتوتر في المنطقة، كما أنها بشكل أو بآخر تكشف عن الوجه القبيح للسياسة القطرية، فلقد جاءت تصريحات أمير قطر سمو الأمير تميم لتكشف عن المخبوء في السياسة القطرية التي حاولت الدوحة في فترات سابقة أن تخفيها، لكنها أظهرت ما كانت تبطنه، بتصريحات الأمير التي لا يمكن أن ينظر إليها إلا أنها تخدم إسرائيل وإيران!»، حيث جاء هذا المقال عنوانا للكتاب، لا لكونه الأبرز الوحيد أو الأهم بين المائة مقال ومقال، وإنما لكون الإصدار اتخذ من أمير قطر «عتبة عنوان» للعبور منها إلى مئة عتبة وعتبة، تنقل القارئ إلى أعماق الأزمة القطرية، وجذورها الممتدة عبر عقدين من التآمر القطري!.
مقاربة قرائية
جملة من الوقفات التي يمكن استقراؤها، في ضوء مائة مقال ومقال، التي يمكن إجمال منطلقاتها على سبيل المقاربة (لا الحصر)، في الإضاءات الموجزة التالية:
1 - استقصاء المالك لكافة تفاصيل الأزمة القطرية، التي يعد الأمير تميم فيها (ممثلا) لامتداد منشئها، وداعما للتطورات التآمرية الإرهابية لـ «نظام الحمدين»، ليكون الكتاب بمثابة رسالة إليه بصفة خاصة، وإلى عامة النظام القطري، و»حكومة الظل»، التي يقودها من الداخل الشيخ حمد بن خليفة، ومن الخارج إيران، وشركاء طامعون.
2 - جاء الكتاب مرآة لجهد مواطن سعودي، وخليجي، وعربي، قبل أن يكون صحفيا، إذ كان صوته حاضرا، وقلمه سراجا أنار للقارئ الخليجي والعربي، الكثير من زوايا الأزمة القطرية، وما يدور خلف كواليس النظام في قطر من خيانات وتآمر على كل ما هو عربي!.
3 - يجسد الإصدار واحدة لأبرز مهام الإعلام السعودي، ودور رجالاته في الأزمات المختلفة بكافة مستوياتها خليجيا وعربيا وعالميا.
4 - لفت الكتاب النظر إلى الشمولية الموضوعية المتميزة للجهد الصحفي، الذي قدمه الأستاذ خالد المالك من موقعه بوصفه رئيسا لتحرير صحيفة «الجزيرة»، أحد أعرق وأبرز الصحف السعودية والخليجية والعربية.
5 - يمثّل الكتاب في «تفرّده النوعي»، شاهدا (عملاقا) من شواهد الأدوار التي يتطلع إليها القارئ السعودي، والخليجي، من خلال ما قدمه الأستاذ خالد المالك بوصفه رئيسا لمجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين، ومن موقعه في رئاسة اتحاد الصحافة الخليجية.
6 - الكتاب توثيق (إعلامي)، رصد الأزمة القطرية بمهنية الإعلامي، ومنهجية الباحث، وعمق المحلل، ورؤية الناقد، واستشراف المحلل السياسي.
7 - كشف الكتاب بالأدلة والبراهين، للقارئ العربي ما لم يكن ملمّا به من قبل، عن عقدين من «صنيعة» النظام القطري ومخططاته الإجرامية، وما يقف خلفها من أجندة سياسية، وإعلامية، وطائفية، وكيانات، وجماعات إرهابية، ومؤامرات عدائية، جعلت من المال والإعلام، أول أجندتها!.
8 - يجسّد الكتاب «أنموذجا» يعكس ما يتميز به الإعلام السعودي، من تقاليد وأخلاقيات، يأتي في مقدمتها صدق الكلمة، وأمانة الرسالة، بمهنية مرجعها: نبل الأهداف، وسمو الغايات.
9 - يتميز الكتاب بالدقة، والمصداقية، والمرجعية، والعمق، والشمولية، واستقراء الحدث، وكشف ما خلف سطور أحداثه، ما جعله مرجعا «أصيلا» للدارسين والباحثين في الأزمة القطرية، إذ يعد الكتاب مرجعا «وثائقيا»، وسجلا «تاريخيا» لكافة تفاصيل أحداث أزمة النظام القطري.
10 - جمع الكتاب مادة صحفية (يومية)، خاطبت الجماهير من خلال (الرأي العام)، محليا وخليجيا وعربيا، عبر صحيفة «الجزيرة»، لتصبح في كتاب، له سماته، من حيث الاحتفاظ به، والرجوع إليه، إلى جانب ما تضمّه الإصدار من ملاحق وثائقية.
11 - في واحدة من أهم الرسائل «الما بعدية» للإصدار، التي يمكن استقراؤها، من وحي كتاب :»لا يا سمو الأمير: مائة مقال ومقال!»، لسعادة الأستاذ خالد المالك، تتأكد مدى حاجتنا إلى هذا الإصدار وأمثاله، في ظل ما يطرأ من (أزمات)، تمكن القارئ الخليجي والعربي، ومراكز الدراسات، من الاستنارة بهذا الإصدار الوثائقي، الذي من شأنه أن يضع أبصارنا وبصائرنا على أعمق «الدروس المستفادة»!!!.