محمد آل الشيخ
زعم أذناب حزب الله اللبنانيون أن رئيس وزراء لبنان المستقيل سعد الحريري (محتجز) في المملكة، وأن الاستقالة تم فرضها عليه، ولم تكن من اختياراته. اللبنانيون شعب يعشق الشائعات، وأكثر الشعوب العربية إيماناً بنظرية المؤامرة، ويبني عليها كثيراً من مفاهيمه وقناعاته.
بالأمس سافر الحريري ومعه عائلته إلى باريس، واتضح لمن كانوا يرددون هذه الشائعة، أو لعلها الكذبة، وعلى رأسهم - للأسف - رئيس الجمهورية اللبنانية، أنهم واهمون أو مخدوعون. وليس لدي أدنى شك أن الاستقالة، وتعمّد الرئيس الحريري أن يكتنفها الغموض، قد آتت أكلها، وحققت مآربها.
مشكلة اللبنانيين، ورئيس حكومتهم الحريري، مع حزب الله، ومعه الرئيس اللبناني، ليست شكلية، تتعلق في أين وكيف يقدم استقالته، وإنما هي جوهرية، تحدث عنها الرئيس الحريري، وبإسهاب، في لقائه مع قناة المستقبل اللبنانية، فحواها أن ثمة دويلة اسمها حزب الله تدين بولائها لإيران، تملك التحكم في قرارات دولة حرة مستقلة اسمها (لبنان). وأن هذه الدويلة تجذرت في الواقع اللبناني، وتمددت في مكوناته الديمغرافية، حتى وصلت إلى أنها سيطرت على رئيس الدولة، واستمالته بالمال وقوة السلاح لينضوي تحت سلطتها، ويلغي بممارساته قوة واستقلال الدولة الوطن، لمصلحة دويلة الاحتلال الفارسي. الرئيس اللبناني، ومعه صهره الذي يتحكم في قراراته ويوجهها كيفما أراد، وكما يريد حزب الله، وجد نفسه بعد سفر الحريري إلى باريس بالأمس في خانة «اليك»، فالاستقالة التي أرادوا التهرب عن مواجهتها، والنظر بدوافعها، بالزعم أنه أُجبر عليها، ها هي تفرض نفسها من جديد، فإما النأي بلبنان، وبمقدرات لبنان، وبالشعب الللبناني، عن أن يكون مخلب قط في يد الفرس، وتكريس المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، أو استقالة الحريري، وليكلف الرئيس العميل من يراه (أهلاً) لتنفيذ الأجندة الفارسية من اللبنانيين السنة. وفي تقديري أن جميع سنة لبنان، بل جميع الوطنيين اللبنانيين، بجميع طوائفهم وتوجهاتهم الفئوية، لن بقبلوا أن يكونوا شركاء في مصادرة الدولة لتتحكم فيها الدويلة.
لبنان بحكم تكوينه الديمغرافي يتكون من ثماني عشرة طائفة ومذهب، لكن أغلب اللبنانيين، بالرغم عن تعددهم الطائفي يجتمعون على أنهم عرب أولاً، وليسوا فرساً. ربما أن النزعة التأسلمية الطائفية قد سيطرت على بعض الطائفيين، أو الذين يبحثون عن المال، برهة من الزمن، وفي فترات مضطربة، فأصبح الانتماء المذهبي يعلو على الانتماء الوطني، إلا أن هذه النزعة كانت نزعة مرضية مؤقتة، لن تلبث إلا أن تتراجع، لتذبل. ولعل الالتفاف غير المسبوق الذي حققه الرئيس الحريري حوله، من جميع الطوائف، وليس الطائفة السنية فحسب، يُثبت أن المحتل الفارسي، ومعه أزلامه من اللبنانيين، قد بدأ العد العكسي لمحاصرة نفوذهم، لينتهي الأمر حتماً باستقلال لبنان.
الرئيس الحريري على ما يبدو ترك مناوئيه يقعون في (فخ) محاولاتهم المضحكة في الهروب عن مواجهة مطالبه بتحييد لبنان أولاً، والتركيز على شكليات الاستقالة؛ ولا أعتقد أن لبنانياً عاقلاً واعياً وطنياً أياً كانت طائفته سيختلف مع ما يدعو إليه الرئيس الحريري.
ومهما كان الأمر، فإن العالم اليوم، وليس اللبنانيون الوطنيون فحسب، يقفون من إيران، وإرهاب إيران، موقفاً يزداد قوة وصلابة مع مرور الوقت، لذلك فإن توقيت استقالة الحريري في هذا الوقت بالذات كانت (ضربة معلم).
إلى اللقاء