«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
من نعم الله على الإنسان أنه سخر له أشياء كثيرة باستطاعته الاستفادة منها. غذاء ودواء وأيضا تجارة تدر عليه المال الوفير. وما زلت أذكر عندما كنت فتى صغيرا كانت تتردد على منزلنا بين فترة وأخرى سيدة فلسطينية من الأسر التي هاجرت عام 1948م لتسوق ما تنتجه أسرتها من المخللات، وكانت هذه الأسرة تعتمد في معيشتها على صنع هذه «المخللات» داخل بيتهم الطيني البسيط وكانت منتجاتهم من «المخللات» تجد إقبالا كبيرا من قبل العديد من الأسر في المدينة، وتطورت عملية تسويقهم بعد نجاح مخللاتهم فوصلت إلى بعض الحوانيت في سوق القيصرية بالمبرز وحتى الأسواق الشعبية في الأحساء.. والمخلل أو الكبيس كما يعرف في بعض الدول العربية وليد عملية «التخليل» أو التخمير من خلال وضع الخضراوات أو الحمضيات في محلول ملحي أو غمره في الخل.. وهذه العملية تؤثر عادة على نسيج ومكونات ما يوضع داخلها من خضار خصوصا «الخيار» فهو يعتبر بلا منازع الملك غير المتوج «للمخلل» نظرا لتفضيل الملايين من البشر وفي مختلف دول العالم له. رغم منافسة أنواع عدة من الخضراوات والفواكه والحمضيات. فمخلل الخيار له نكهة خاصة تثير الشهية، حيث حقق شهرة كبيرة بعد استخدامه من قبل شركات ومطاعم «الهمبرغر» وتجده مسترخيا داخل السندويش ليثير الشهية، وهناك من يطلب تزويده بشرائح وقطع من الخيار المخلل ليتلذذ بتناوله مع كل قضمة من سندويشته.. وحسب ما ذكره المؤرخون في كتبهم التي تهتم بهذا النوع من الغذاء فلقد ظهر مع بدء اكتشاف الخيار البري في آسيا قبل آلاف السنين وانتشر الخيار المحب للشمس في قارة تلو أخرى ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يتصور الناس كيف يحفظون خيار الصيف لفصل الشتاء بحفظه في ماء الملح، ومع الأيام بات البعض يضيف بعض التوابل والبهارات لإعطاء الخيار نكهة مؤثرة وفعالة تدفع من يتناوله لطلب المزيد. وتطورت عملية التخليل للخيار وحتى غيره من الخضراوات بإضافة الفلفل والبصل والثوم وحتى حبوب الخردل والكزبرة وفي أسواقنا المتخصصة في بيع المواد الغذائية تجد عشرات الأنواع من المخللات القادمة لنا من مختلف دول العالم منافسة أيضا لما ينتج في بلادنا من مخللات مختلفة. لكن يحتار المستهلك ماذا يختار وأمامه أنواع مختلفة ومتعددة من المخللات التي تغريه بالشراء ومن دون تردد.. والمخللات عادة تضاف إليها الأعشاب المضادة للبكتيريا التي تمنع التلف وتحفظ المنتج لمدة طويلة تستمر لشهور عد. وهذا ما ساهم في عملية التسويق لمنتجات المخللات المختلفة في مختلف البلدان. وتزخر كتب الطبخ بالكثير من الوصفات التي تساعد ربات البيوت في صنع المخللات المنزلية بيسر وسهولة وبأقل تكلفة. كذلك تنتشر في دول العالم العربية والإسلامية والأجنبية مصانع شهيرة متخصصة في إنتاج المخللات بأنواعها وبمذاقات مختلفة حسب الأذواق والنكهات، لكن يجب الحذر من بعض المنتجات التي يدخل في تصنيعها وإنتاجها دهون الخنزير؛ فهي منتشرة في بعض الدول، وعادة ينصح بقراءة المكونات قبل الشراء.. وماذا بعد؟ ما زلت أذكر خلال سفرة لي قبل سنوات في دولة أوروبية مشهدا لطيفا في مطعم الفندق الذي أقيم فيه.. كان زوجان يتناولان قطع «الخيار المخلل» وهما يتبادلان الأحاديث الباسمة.
وهناك مشاهير في العالم من عشاق المخللات، قادة ورؤساء ونجوم تميل وغناء وحتى رجال أعمال وأدباء.. وأنا شخصيا أحب شرائح المخلل داخل شطيرة التشيزبرغر..!