د.علي القرني
كتبت مقالا قبل سنوات في صحيفة «الجزيرة» عن مديري الجامعات ومهامهم والتوقعات منهم بمقارنة وضعنا المحلي في الجامعات السعودية بوضعية الجامعات العالمية، وحينها كلفني الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود برئاسة فريق بحثي لإعداد دراسة معمقة عن هذا الموضوع لرفعها لوزارة التعليم العالي وللمقام السامي، ودرسنا وضع جامعات عالمية كهارفارد وستانفورد وMIT وجامعات بريطانية كاكسفورد وكمبريدج وغيرها من الجامعات العالمية.
ومن أهم الاختلافات بين جامعاتنا والجامعات العالمية وجود مجلس أمناء في كل جامعة عالمية يضع سياساتها واستراتيجياتها العامة. وهذا ما تحقق -ليس بالضرورة بفعل تلك الدراسة- في نظام الجامعات الجديد، الذي أعلنه وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى كمسودة يتم خلال شهر أخذ أي ملاحظات عن النظام ووضعه في الشكل النهائي. ويعد هذا النظام نقلة نوعية جديدة نحو استقلال الجامعات. وفيما يلي تلخيص، بأبرز ملامح هذا النظام يليه بعض الملاحظات.
1- يعود إلى الواجهة من جديد مجلس التعليم العالي، مع تعديلات على هيكلية المجلس، حيث ينشأ «مجلس شؤون الجامعة» ويتكون من خمسة عشر عضوا برئاسة وزير التعليم وعدد من نواب وزارات معنية وعدد من مديري الجامعات وأصحاب الخبرة، إضافة إلى أمين عام، ويتولى هذا المجلس إدارة شؤون التعليم العالي في المملكة. ويعمل المجلس على وضع الإستراتيجيات والتنسيق بين الجامعات.
2- وإنشاء مجلس أمناء لكل جامعة هو أبرز تغيير في نظام الجامعات الجديد، وهو الأداة الأكبر في التحول نحو استقلال الجامعات، حيث يتكون من عدد من أصحاب الخبرة والاختصاص وممثلي القطاع الخاص، إضافة إلى مدير الجامعة وممثل مجلس شؤون الجامعات. وقد تسلم مجلس الأمناء الكثير من صلاحيات وزارة التعليم، وبهذا يكتب النظام الجديد النقلة الحقيقية في النظام باستقلال الجامعات.
3- يعمل مجلس الجامعة على وضع السياسات والإستراتيجيات العامة للجامعة، وإنشاء الكليات والأقسام والمراكز، ووضع جميع اللوائح التنظيمية، واعتماد الدرجات العلمية، والبرامج التطويرية للجامعة. كما يختص مجلس الأمناء بوضع السياسات الاستثمارية والإشراف عليها، وكذلك إقرار ميزانية الجامعة والحساب الختامي والبت في الملاحظات الرقابية. إضافة إلى ترشيح مسمى مدير الجامعة ورفعه لمجلس شؤون الجامعات، ثم رفعه لرئيس مجلس الوزراء لإصدار أمر ملكي به.
4- تم منح مدير الجامعة صلاحيات جديدة بما فيها تعيين (تكليف) عمداء الكليات حيث كان سابقا يرشح ويعتمده وزير التعليم، وكذلك ترشيح وكلاء الجامعات والرفع بهم إلى مجلس شؤون الجامعات. وفيما يخص اختيار عمداء الكليات ورؤساء الأقسام تم تبني فكرة استحدثتها جامعة الملك سعود في فترة الدكتور عبدالله العثمان بوجود لجنة لاختيار العمداء ولجنة لاختيار رؤساء الأقسام. وترفع الترشيحات لمدير الجامعة لاعتمادها.
5- على مستوى أعضاء هيئة التدريس يحسب للنظام الجديد أن التدريس يتم فقط من خلال أساتذة وأساتذة مشاركين وأساتذة مساعدين، ويمكن التدريس من خلال محاضرين أو معيدين، ولكن تحت إشراف عضو هيئة تدريس. وهذا من شأنه أن يرتقي بالعملية التعليمية في الجامعات، حيث تعطى حاليا في بعض الجامعات أعباء تدريسية كاملة لمعيدين ومحاضرين.
وأخيرا نورد بعض الملاحظات على النظام، أبرزها:
1- يشير النظام إلى أن اجتماع مجلس الأمناء مرتين على الأقل في العام، وأرى أن يكون مثل مجلس الجامعة مرة كل شهر، لأن قلة اجتماعات مجلس الأمناء من شأنه أن يعطل كثيرا من الأمور في الجامعة.
2- لم يشر النظام إلى اعتماد المؤتمرات العلمية، وأرى أن يكون من اختصاص مجلس الأمناء، حيث إن الوضعية الحالية يتم اعتماد المؤتمرات من الوزارة ومن المقام السامي، وهذا يستغرق شهورا عديدة.
3- نرجو أن يتم عند اختيار رئيس ونائب وأعضاء مجلس الأمناء الشخصيات الموجود في كل منطقة، حيث هي ستكون أكثر التصاقا بقضايا المنطقة واحتياجاتها.
4- أشار النظام إلى موضوع اللوائح المشتركة التي سيصدرها مجلس شؤون الجامعات، ونأمل ألا تكون كثيرة بحيث يفرض هذا المجلس هيمنته على استقلالية الجامعات.
5- كنت أتمنى أن تكون المهمة الأساسية لمدير الجامعة هي السياسات والاستراتجيات العامة ويأخذ مسمى «رئيس الجامعة»، ويكون هناك منصب آخر باسم مدير الجامعة التنفيذي يقوم بالعمل التنفيذي اليومي والمتباعات البيروقراطية، وهنا يمكن استثمار وقت وجهد رئيس الجامعة في بناء علاقات خارجية والعمل على تعزيز الاستثمار واستقطاب دعم من مؤسسات وشركات للمشروعات البحثية في الجامعة، والعمل على صورة الجامعة في الداخل والخارج.