يوسف المحيميد
بعيدًا عن مكونات العملية التعليمية، من مقررات دراسية ومبان فخمة، يظل المعلم هو أساس هذه العملية، فمعلم متميز ومخلص ومحب لعمله، سيؤدي رسالته الإنسانية والتربوية والتعليمية على أكمل وجه، حتى لو كان يعلمهم في ظل خيمة، والدليل أن بدايات التعليم التي كان من مخرجاتها كبار الرواد والعلماء في مختلف المجالات، كانت تتم في فصول متواضعة، بلا طاولات وكراسي، وبلا سبورة ذكية أو غبية، يكفي أن يكون معلمًا يحمل معه ضميره كل صباح، يتعامل مع طلابه بحرص ووعي، ويعتني بهم وبتعليمهم وتربيتهم كمن يعتني بأولاده، فلا يرضى بأن يصدر من أحدهم أي سلوك سيئ ومشين.
وحين يكتب أحدهم في التواصل الاجتماعي، ممن عاصروا التعليم والإشراف التربوي ثلاثين عامًا، آراء ومقولات مثيرة، كالقول بأن التعليم مهنة من لا مهنة له، يضم المتردية والنطيحة، يجب التوقف طويلاً عند ذلك، لأن الطبيعي أن يكون التعليم للنخبة، وأن يصبح مهنة المتميزين، وكلما صغرت المرحلة الدراسية كان شرط التميز والتأهيل أكبر، فالمرحلة الابتدائية التي تعتبر أساس التعليم يجب أن لا يمنح شرف التعليم فيها إلا المتميزون في مجال التربية والمعرفة والخبرة في التعامل مع الطفولة.
ومن خلال معرفتي لما يحيط بي، أجد جزءًا من مقولته صادقة، فحتى وإن لم يجد هؤلاء المتردين فرصتهم في التعليم الحكومي، قد يجدونها في مدارس القطاع الخاص، وهذا الأمر سيضيف في المحصلة النهائية مخرجات ضعيفة ورديئة للتعليم.
السؤال: من أين جاء هؤلاء المتردون، الذين هم بلا كفاءة؟ أليسو هم نتاج التعليم قبل عشرين عامًا وأكثر؟ ألا يعني هذا أن المعلم هو من يصنع المعلم، وهو من يصنع الطبيب، والمهندس، والطيار وغيرهم؟. إن مهنة التعليم مهمة وخطيرة، وإذا كنا أخطأنا في زمن سابق في توظيف غير الأكفاء، يمكننا الآن معالجة هذا الخطأ، وإعادة تأهيلهم وتدريبهم بشكل مكثف، فالملايين التي ستدفع على تدريبهم ستعود حتما بالنفع على المجتمع بأكمله. لا بد من دورات متنوعة في طرق التربية الحديثة، والتعليم بأنواعه، لا بد من تطوير لغتهم الإنجليزية ليقرأوا ويطلعوا على الجديد في المجال التربوي والتعليمي، لا بد من عقد اختبارات الكفاءة لهم وتقييمهم بين الفينة والأخرى، فهم من يؤسس المجتمع بعد الأسرة. بعدما يتقاسمون الدور التربوي معها بعد دخول الطفل للمدرسة، فإما أن يضيفوا إلى الطفل الجديد والمميز من خلال تربية سليمة وجيدة، وإما أن ينقضوا كل ما بنته الأسرة خلال سنوات الطفولة المبكرة، خاصة إذا كانوا غير مؤهلين، وغير أكفاء.