د. خيرية السقاف
من المظاهر المستجدة في الإعلام الدولي العام ظاهرة «التكريس» القصْدي لموضوع ما، يُطرح وتأخذ الوسيلة الإعلامية في ضخ شحناتها لإبرازه، ولجلب القراء، والمشاهدين، والمستمعين إليه في المجتمع المستهدَف له، ليس فقط عن طريق العناوين المثيرة للانتباه التي يقدم بها، ذات الخطوط الكبيرة التي تفترش المساحة، وتأخذ الألوان البارزة، وإنما عن طريق التكريس بشتى الأساليب لوصول مضمونه لأذهان العامة، أولئك الذين تتفاوت قدراتهم الإدراكية، ومهاراتهم التحليلية، ومُقدراتهم الفكرية معرفة، وثقافة، وعلمًا فيكون دورهم كالفِرق المساندة للزمارين، والطبالين، واللاعبين البهلوانيين، والمغنيين المتجولين في الأحياء، أو في مواقع السُّياح!!..
وهم لا يدرون ما وراء ذلك فيأخذون كالببغاوات ما تبثه هذه الوسائل ويطيرون به في «العجة».
ويكون الموقف العام أنهم يكتسبون قناعتهم به في وجه، وفي آخر يتناقلونه بثقة «العالِم» بالأمور، ويسيرون في الناس ناقلين، رواة، مؤثرين!!..
والأبعد تأثيرًا لهذا الإعلام خفي الأغراض - للعامة، مكشوفها في أن للخاصة -، أن تشيع مضامينه، وأفكاره بين الناس عن متلقيه، فتتراكم لدى العامة من المعلومات ما شاء لها صانعوها الخفيون من التأثير..
ولعل وسائل التقنية الحديثة التي لم تُقرِّب الناس فقط في «قرية صغيرة» بل جمعتهم في حيِّز مكاني لا يتجاوز حجمه كف اليد الواحدة، ولا يقتصر قَدْرُه الزماني على سعة مضمونه، وكثافة معطياته..
في ضوء هذا التكريس السالب يكون دور الإعلام، وفروعه أن يتفاعل بنهضة مضادة تواكب شراسة هذا التكريس وتزيد..
إن عصابات الإجرام باختلافها وبمختلف جرائمها سرقة، وتهريبًا، وقتلاً، وعدوانًا، ومخدرات تعضدها جرائم التكريس لبث الفتن بين الناس، وتحويل العالم حول البشر لغابات سامة، ملوثة تقضي على الخضرة في نفوسهم، وفكرهم، وتشيع فيهم حرائق القلق، والاضطراب، وعدم الثقة حتى بين الواحد، والآخر في البيت الواحد..
في كليات الإعلام، ومؤسساته هناك موضوعات جديدة ينبغي أن تستجد تستهدف صنع مناهج إعلام مواكبة لحاجة العصر الطحلبي الذي نعيشه، وتعمل على حل مشكلاته، وأول مفردات هذا المنهج تكون مواجهة هذه الفزعة السالبة لدى العامة، بتفنيد المخبوء من المقاصد، وتحجيم تأثيراتها الفاعلة في طحلبة معلوماتهم، وتكدير صفاء الحقائق في نفوسهم هذه التي لا تجد إعلامًا مضادًا لأغراضها، ولشراسة أساليبها، ليتصدى لها بالأساليب العلمية العادلة. إِذ تلح الوقائع على استحداثه بنهضة إعلامية حازمة، وجادة، وعاملة، وفاعلة، أكاديميًا، وميدانيًا، ومؤسساتيًا..