د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن نجاح موسم الحج لهذا العام 1438 بصورة مشرفة غزيرة المآثر والمزايا هو إبلاغ وتوثيق للعالم أن بلادنا نمير ونور مختلف، وأن إستراتيجية قيادتنا في إدارة قاصدي ذلك الركن الإسلامي العظيم الذي شرعه رب العباد نفيسة فريدة، وأن بلادنا استقبلت استثناء من العالم كله ضيوف الرحمن، وذلكم شرف وتشريف؛ وانبرى العالم يتحدث عن احتفاء بلادنا بذلك التشريف في صور جلية، تحدَّثت عنها منابر قلوب الحجاج الذين رأوا رأي العين ونالوا في محضن بلادنا كل صنوف التيسير لأداء الشعيرة، وتحدث العالم عن العلامات المضيئة التي امتلأت بها فضاءات المشاعر المقدسة في «أيام معلومات».
فحين احتضنت بلادنا الملايين من المسلمين الذين جاءوا يؤدون ركنًا من أركان الإسلام ويتمّمون شعيرة حجهم شاركتهم بلادنا شرط القدرة والاستطاعة «لمن استطاع إليه سبيلاً»، ففسحتْ بلادنا آفاقها في تلك البقعة المقدسة التي خصها رب العباد بأول بيت وُضع للناس، تُجلّلُ مساعيها غايات مُثْلَى منبعها عقيدة راسخة، ويقين أكيد أن ذلك الحشد السنوي المتصل بالإيمان والضارب في أعماق المسلمين، تلزمُه إرادة لا تلين، واتكاء متين على أولي العزم تخطيطًا وتنفيذًا، فيشهد الحجاج في داخل المشاعر والعالم أجمع جموعًا تُرتبُ تفاصيل المشهد كاملاً وفق توجيهات القيادة، الرشيدة؛ فإذا ما تحدث العالم عن علم إدارة الحشود فهو في بلادنا مكين أمين، وإن تباروا في أطروحات التنظيمات الإدارية فقد نالتها بلادنا في مواسم الحج باستحقاق، وإن رُصدت مواقع الأمن وحياض الحماية فإن أمن الحجاج وثائق فداء حقيقية نباهي بها الأمم، ويستظل بها الحجاج في كل شبر من المشاعر المقدسة، وإن كانت للبيئات المثالية حين الحشود أمثلة عند المنظّرين، فبلادنا حصدتْ منها أطواق سمو، وبطاقات تميز، وأوسمة شرف.
وإن أشاد العالم بمؤسسات الصحة فنحن في العدوة العليا منها، فلم تكن منشآتنا الصحية في المشاعر المقدسة معدّة لاحتضان العوارض المؤقتة فقط، إنما بلغت شأنًا عظيمًا قدرةً واستيعابًا وإتمامًا؛ فمن رأى قوافل الطوارئ تنطلق بالمرضى من ضيوف الرحمن من المستشفيات إلى مشعر عرفات ليقفوا على صعيدها، ويتمموا مناسكهم فسوف يدرك مدى الإحكام الذي بُنيت عليه إستراتيجية إدارة موسم الحج ويدرك أيضًا الحصاد كان قويًا كَمَا أن طبيعة الإنجاز في واقع المشاعر المقدسة، وتتابع المقاصد السامية في مواسم الحج، وكثيرًا من الإستراتيجيات الكبرى التي منحتها قيادتنا الرشيدة مفاتيح الدخول إلى كل الفضاءات لتيسير أداء الشعيرة على ضيوف الرحمن في موسم حج هذا العام 1438؛ وكل مواسم الحج المتوالية بتوفيق من الله ثم بعزيمة المخلصين من أبنائها، ذلك الاستمرار المتدفق، وتلك المشروعات العملاقة في المشاعر، وتلك الحشود المؤهلة لراحة الحشود القادمة من الحجاج، ثم الحصاد السنوي في كل موسم عندما تسطع أضواء المنجزات في الآفاق، ويعلو صوت الاستحقاق بأن خدمة ضيوف الرحمن هو شرف بلادنا الذي تسمى به قادتنا وتساموا به، كما أن مواقفنا الثابتة منذ الأزل تجاه ألوية الحجيج التي برعتْ فيها قيادتنا الحكيمة حين نجحت في صناعة التنسيق بين قطاعاتها المختلفة لتحقيق خدمات متميزة لضيوف الرحمن؛ كما أبدعت بلادنا في قيادة مراحل أداء النُسُك بكفاءة واقتدار، كل هذا وذاك اختصاص لبلادنا وفضل من الله، ولعل من حديث الواقع حين نقول: إن خدمة حجاج بيت الله أصبحت جزءًا من هوية هذه البلاد الطاهرة؛ ومن صِلاتها بالآخر ومن رموز حضارتها، ومكوناتها الفكرية، وهو شرف لا ندّعيه بل حقيقة ماثلة لا تملكها دول العالم قاطبة، كما أن بلادنا بلغتْ في العناية والاهتمام بمواسم الحج ما لم يبلغه تنظيم أو حشد دولي آخر لسمو المقصد ونبل الهدف، إضافة لارتباط تلك الشعيرة بعقيدة المسلمين وتمام دينهم، فخدمة الحجاج هي خدمة للإسلام والمسلمين، وتأسيسًا على ذلك التفرّد الذي يُسطّر بمداد من الذهب أعوامًا عديدة ولأنه في كل عام تبرز الجهود شامخة تحزم عزائم القوة، وتباري أوقات الإتمام، فإنني ومن منبر الإعلام المكتوب عبر صحيفتنا الغراء الجزيرة اقترحُ أن يُدرج الحج ضمن مواد الهوية التي تُدرّس للأجيال في منشآت التعليم العام في بلادنا، فكما يُدرّس تاريخ بلادنا أدام الله عزها يكون أفراد (الحج في بادي) بمقرر تدريسيّ لا يُركز على محتوى الشعيرة ومناسكها فهذا الشأن حفظه لنا كتاب الله وسنة رسوله، إنما يتضمن المقرر تاريخ تطوير بيئات المشاعر، وخدمة الحجاج في بلادنا والخطط العملاقة التي تبلور ذلك كل عام والمساحات المضيئة في أعمال الحج، وقواعد التأسيس لصناعة المواسم الناجحة في الحج، وهي معارف حافزة ومحفزة للأجيال أن يفاخروا ببلادهم، وأن يظهر منهم أجيال توّاقة للإسهام في صناعة تلك المواسم الإيمانية، ويكون ذلك المقرر امتيازًا في المدارس السعودية في الداخل والخارج، كما نأمل من وزارة التعليم أن تخصص يومًا في بداية العام الدراسي من هذا العام 1438 ويتوالى عامًا بعد عام ويعقب في زمنه مواسم الحج من كل عام للحديث عن نجاح موسم الحج؛ وجهود بلادنا العظيمة في إدارة مواسم الحج، والرؤى العالمية التي أحاطت بالموسم الإسلامي العظيم فذلكم يرقى في كثير من مقاصده عمّا تخصصه الوزارة من أيام أخرى، وإن كان لها مكانتها الرسمية إلا أنها تأخذ من جهد التعليم ما يتقاصر مردوده في غالب الأحيان.