سعد بن عبدالقادر القويعي
ظهرت أزمة مسلمي الروهينجا على السطح بفضل حملات التضامن التي شنّها النشطاء الحقوقيون حول العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد تزايد جرائم ضد البشرية ترتكب ضد هذه الأقلية المسلمة. فالأزمة ليست وليدة - اليوم -، والأقلية المسلمة في بورما أكثر الأقليات في العالم اضطهادًا، ومعاناة، وتعرضًا للظلم الممنهج من الأنظمة المتعاقبة في بورما، التي أسفرت عن تهجير، ومقتل كثيرين من مسلمي الروهينجا بجمهورية اتحاد ميانمار.
الدولة التي تقع في جنوب شرق آسيا فرضت نفسها، وبقوة على الساحة الدولية - إلى ذات اللحظة -، إِذ يعيش كل مسلم روهينجي كمواطن بلا وطن، أو على أرض لا تعتبره الحكومات المتعاقبة في بورما وطنًا له؛ كونهم أجانب لا يتمتعون بالجنسية البورمية؛ الأمر الذي سيجعل من أراكان بيئة خصبة للتطرف، والإرهاب، وقد يدفع كثيرين من أبناء هذه الأقلية إلى ممارسة العنف، أو الاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية، وهو ما أكَّده بيان رابطة العالم الإسلامي - الأخير -، بأن من شأن كارثة مروِّعة بهذا الحجم، أن تَنقل الإرهاب المقابل لها في الكراهية، والوحشية إلى التموضع في تلك المناطق بمشايعة اتباع جدد، سيكون من السهل اقتناصهم، والتغرير بهم، كما هو دأب الإرهاب في توظيف بيئة الصراع، والاضطراب، والتهييج الديني لصالح أجندته الإجرامية.
ستؤدي هذه الأزمة إلى أزمات أخرى أشد، وسيتعرض المسلمون لإبادة أكثر، وأخشى أن تكون النية مبيتة لإفنائهم من الوجود، والعمل جارٍ لتحقيق هذا الهدف - منذ زمن بعيد -، وبحسب معلومات رابطة العالم الإسلامي، فإنه منذ 3-12-1438هـ الموافق لـ25-8-2017م، بلغ عدد الضحايا 6334، وعدد الجرحى 8349، وعدد النساء المغتصبات 500 امرأة، وعدد القرى المحروقة 103 قرى، وعدد البيوت المحروقة 23250، وعدد من أصبحوا بلا سكن، ولا وطن، ولا ممتلكات 335000، وعدد الأسر النازحة التي وصلت بنغلاديش 24166، وعدد النازحين الذين وصلوا بنغلاديش 145000، وعدد النازحين العالقين المنتظرين في الحدود 190000، وعدد المساجد التي تم هدمها 250 مسجدًا، وعدد المدارس، والمعاهد التي تم هدمها 80 مدرسة، فيما أغلق الاضطهاد جميع المساجد، والمدارس، والمعاهد.
بقي القول: إن الضمير الإنساني لن يقبل السكوت عن مثل هذه الجرائم التي ترتكب تحت مرأى، ومسمع حكومة ميانمار، ودون التزامها بواجبها السياسي في حماية كل المدنيين دون تمييز. فالإبادة الجماعية على مرأى، ومسمعٍ من الجميع، يعدّ وصمة في جبين الإنسانية، ونعيًا على قيمها الأخلاقية، ونظامها الدولي؛ الأمر الذي يستلزم أن تتجه الحكومات المسلمة نحو الطريق الرسمي الدبلوماسي بالضغط على حكومة بورما بكل الوسائل الدبلوماسية المتاحة؛ لإنقاذ المسلمين هناك، واعتبارها حكومة إرهابية، - إضافة - إلى تقديم الدعم للنازحين؛ من أجل تحسين أوضاعهم داخل بنجلاديش، ومحاولة الوصول لمسلمي بورما، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم.