محمد جمعة عبدالهادي موسى
تندر أعداد الباحثين الذين يدركون قيمة الفهرسة والتصنيف للوعاء المعرفي من بحوث ودراسات يقدمون على إنجازها من جانب، وقلة إدراك وتعرف على خطة التصنيف بالمكتبات من جانب آخر؛ وليس الأمر دعوة للحصول على الليسانس في علم المكتبات والوثائق أو على الأقل دبلومة متخصصة فيه، إنما هي دعوة ممتدة للبحث عن القيمة العائدة من التسلح بهذا العلم المساعد للباحثين في إنجاز بحوثهم وإعداد دراساتهم على أكمل وجه من الناحيتين المنهجية والعملية.
إن الباحث الذي سيُقدم على عمل دراسة ببليوجرافية -على سبيل المثال- لا يمكنه تنفيذها إلا بعد إحاطة ومعرفة منهجية للدراسات المماثلة المطبوعة في هذا الشأن، ثم يقوم على تنفيذ دراسته، أو يقوم بشكل منهجي بالبحث في منهج عمل الببليوجرافيات والدراسات الببليومترية من ناحية أخرى؛ فعمل دراسة عن العطاء العلمي والثقافي لأحد الأعلام (إنتاجهم العلمي) في شكل ببليوجرافي؛ يستلزم من الباحث معرفة منهج الفهرسة والتصنيف، حتى يقوم بإعداد مثل هذه الدراسات. ومن ثم إذا ما جهل الباحث هذه القيمة التي يمكنه الاستفادة منها في جوانب كثيرة من بحثه، فإنه لا يمكنه أن يقوم على أعمال التكشيف والفهرسة والتصنيف لمادته البحثية على عناوين فصول خطة كتابه أو رسالته العلمية؛ فالأمر مرتبط باكتساب علم مُساعد في البحث والدراسة. ولعل الأمر ليس مقصورًا على المكتبيين الذين يعدون مفاتيح طرح المحتوى المعرفي، وهذا جانب آخر سنبين قيمته اكتسابه عند الباحث. ولكن الأمر هنا أيضًا مُرتبط بشكل كبير بقيمة استفادة الباحث من التعرف على أهمية الفهرسة والتنصيف في عمله البحثي؛ والذي يتنوع من حيث المنهج، وهذا أولاً.
أما ثانيًا فنجد أن الواجب –الذي سيكسب الباحث فيما بعد هذه القيمة- التعرف على خطة التصنيف التي تقوم عليها المكتبة.
إن هنالك عددًا كبيرًا من الباحثين يتجاسرون بالدخول إلى المكتبات دونما معرفة مفاتيح الوصول إلى المحتوى الذي يبحث عنه، فقط هو يقوم –في كثير من الأحيان- بالبحث في قاعدة بيانات المكتبة ليصل إلى ما يريده من «عنوان»؛ ولا يغفل الباحث النابه أو تتباطأ همته في التعرف على خطة تصنيف المكتبات باعتبارها أكبر وعاء معرفي؛ ونقصد بها «خطة التصنيف الديوي العشري» التي وضعت لترتيب موضوعات الدين واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا والتراجم وغيرها.
تتجلى قيمة التعرف على خطة التصنيف إلى معرفة الوعاء الموضوعي الذي يشمل كافة العناوين التي يبحث في جوانبها الباحث، دونما الاقتصار على كتابة العنوان الذي يبحث عنه، خاصة أن كان الباحث نفسه لا يدرك كيف يبحث بقواعد بيانات المكتبة، والمقصود بذلك هو كتابة الكلمات المفتاحية للموضوع حتى يتم الوصول إلى أكبر قدر من العناوين.
كما تنبعث القيمة المُضافة لمعرفة هذا الوعاء في إشكاليات بعض قواعد البيانات التي تقوم بالبحث المطابق للكلمة المفتاحية، فتظهر في نتائج البحث ما عثر عليه من النتائج المتطابقة فحسب دونما إظهار ما يتعلق بالموضوع من موضوعات قريبة.
والحاجة مُلحة ويمكن تدريب الباحثين على اكتشاف المكتبات من خلال أمين المكتبة، ولا يسع الباحث النابه إلا أن يكون هو في حد ذاته أمينًا للمكتبة، فهو بإدراكه قيمتها وتصفح محتواها سيصل في أقرب وقت -بالتدريب المستمر- إلى مكانة طيبة في معرفة الوعاء المعرفي وموضوعاته المتوافرة بالمكتبة.
والمثال يُزيد الأمر وضوحًا ... فالباحث في التاريخ والجغرافيا عليه أن يُحاط علمًا بأن خطة المكتبة في فهرسة وتصنيف المحتوى التاريخي يبدأ من رقم (900) وينتهي عند (999)، وهي الخطة الشاملة لهذا المحتوى، وبينهما أرقام مسلسلة، متتالية، ولكل موضوع رقم؛ فعلى سبيل المثال نجد (تاريخ العالم العام) يأخذ الرقم (909)، وتاريخ فلسطين القديم يأخذ الرقم (933)، والجغرافيا التاريخية تأخذ الرقم (911) ... وهكذا؛ فالتعرف على أماكن توافر الوعاء المعرفي لهذه الموضوعات بالمكتبة معين بكل تأكيد على الإسهام بشكل أكبر وأوضح على الحصول على العناوين التي تناسب موضوعه.
لقد اقتنع المكتبيون العرب بنظام ديوي ومميزاته كالبساطة، وسهولة الاستخدام، والمرونة، وغيرها، كما بدأ التفكير في إجراء بعض التعديلات في بعض أرقام التصنيف لسد احتياجات المكتبة العربية في تصنيف مجموعاتها العربية والإسلامية، وقد تناولت التعديلات العربية مجالات: علوم الدين الإسلامي، اللغة العربية، الأدب العربي، التاريخ الإسلامي، وتاريخ الدول العربية في العصر الحديث، إضافة إلى بعض أرقام قسم المعارف العامة .. فأصدر محمود الشنيطي وأحمد كابش: موجز التصنيف العشري، الجداول، عام 1960م، وأعيد طباعته عام 1970م. كما أصدر شعبان خليفة ومحمد العايدي: التصنيف العشري القياسي للمكتبات المدرسية والعامة، بالقاهرة، المكتبة الأكاديمية، عام 1996م.
إن علم المكتبات علم من العلوم المساعدة وأداة طيبة في يد الباحث النابه دونما شك؛ وليس الأمر مرتبطًا بأن يقوم الباحث غير المتخصص في المكتبات وشؤونها بالتقدم إلى دراسة علم المكتبات والوثائق، حتى يعي علم الفهرسة والتصنيف للمكتبات، وإنما يعد التعرف على هذا الجانب أحد العوامل المساعدة له كباحث، يدرك قيمته من خلال دورة مكتبية أو من خلال مساعدات ذاتية يقوم بها الباحث النشيط ليسلح بها عقله.