د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** للابتسامة لونُها ومذاقها ورائحتها، كما يثير التساؤلُ حولها علامات تعجبٍ بين زمنٍ صَنع الفرح وقت البؤس واليأس وآخرَ فرض التراجع وأذكى المواجع، وحول ناشئٍ أسعدته قطعة حلوى بربع ريال وطفلٍ يستنزف وقتًا وجهدًا ومالًا وسفرًا ووسائطَ استرخاء ومشاعر احتواء ثم لا يُرى إلا مقطبًا متطلِّبا، وماذا عن تكوينها؛ أهي سلوكٌ أم فطرة، أحاسيسُ تنبعث من الذات المهزومة كما المنتصرة أم أعطياتٌ ومعطيات، وهل جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي وجزيرة كروزو تضمن تحققها وتدفقها أم عشوائيات الصفيح وخيام الملاجئ وشظف المعوزين، وهل كانت ميسون بنت بحدل الكلبية محقةً حين عدّت القصر قبرًا وبيت البادية عشقا؟
** لا إجابة قاطعةً فهي استفهاماتٌ للتفكير بما أُلنا إليه بعدما تكثف الوعي وتنعمت الأبدان وزادت المعلومات وبتنا نشارك الغنيَّ حساب ثروته، والمسؤول حيثيات قراراته، والإعلاميَّ مصادر دخله ومعانيَ مداخلاته، ولم يعد القائدُ نائيًا عن المساءلة، والعالِم متفردًا في أحكامه، بل ولم يبق التأريخ منعزلًا عن محاكمته.
** وإذا افترضنا هذا كلَّه أو قبِلنا بعضَه ؛ فهل العزلة الاختيارية قادرة على إعادة الروح الباسمة والنفوس الطيبة والمساحات المورقة؟ وهل نحن نحن؛ من آنسَنا ظريفٌ وطرفةٌ وسمرٌ وسحر وعزفٌ وثناء وكتابٌ ودعاء أم دارت بنا الأعوام فصرنا نغتصب الفرح ونولم للترح؟
** ولمن ارتاب في حجم التغيّر أن يقرأ مليارات الكلمات التي تخرجها أوعية الإنسان كل جزء من الثانية فربما زادت الاستفهامات لديه وأضاف إليها سوء النطق واعوجاج المنطق وجيوش الشقاق والارتزاق وباعثي الظلم والظلام.
(2)
** مر عشرون عامًا على وفاة الإنسان المرح سعد الخويطر (توفي 1418هـ) وما نزال نستعيدُ طرائفَه ملتمسين العودة إلى أرواحنا الصافية التي كانت تطربُ دون أوتار وتسهر في النهار وتتناقل «النكتة العفوية» التي يرميها «أبو محمد» دون تكلف فتطير بها الركبان في مدينته، وربما تجاوزتها حتى صار اسمُه وسمًا للابتسامة الصافية الصادقة.
** له رواتُه الذين يُذكِّروننا بحركاته وسكناته ويحفظون جميع تجلياته، وكان مميزًا بأخلاق عاليةٍ حمته من خدش الحياء أو التعريض بالأحياء، وقد زامله صاحبكم في إحدى سنوات الدراسة بالمعهد العلمي كما زامله سابقون ولا حقون وتوقف قبل المرحلة الثانوية ليتفوّق في زرع الإشراق، ولم يوفر نفسه ووالدته - عليهما رحمة الله - من نوادره؛ فقد شكت وجع عينها «التي من جهة الجيران الفلانيين»، ووجدها تكنس الشارع لأن سيارة المبيدات جعلتها لا تعرف حدود بيتها، ولم يحتاجا إلى فِراشين فأمُّه تنام عليه في الليل وهو في النهار، أما حكاياته مع عبدالله الإبراهيم الجلالي وعبدالله (عبود) الخضر فإنها تؤنس الثكلى.
** افتقدنا سعدًا كما آخرين ممن لم يتاجروا بالإضحاك فسعى لهم وبهم البِشْردون أدلجة منتهز وتكلّف مرتجز.
(3)
** الابتسامة أجرٌ لا استئجار.