تقرير - محمد المرزوقي:
لا تزال مشاهد أطول الفصول العربية «الربيع المزعوم» تزداد مأساوية يوم بعد آخر، فمنذ أن استهل شهر العرب الربيع أول أيامه فما تزال أجواؤه ممطرة بالصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة.. وامتداده الجغرافي متدثر بمختلف صور الدمار و أشكال الخراب والإبادة الجماعية، لتظل ينابيع جغرافيته الدموية تنزف أروحا بريئة صباح مساء.. ما جعل من المشهد الربيعي الذي حلّ بالعديد من بلداننا العربية التي أضحت معها مسرحا للمتآمرين الذين لم يعودوا يخفوا عداءهم، ولم يعد لديهم أي تردد في التدخل في الشأن الداخلي العربي، في حرب معلنة على الكيان العربي، وتدمير سافر للوجود العربي ولمقدراته ولثرواته وللإنسان العربي قبل كل شيء، ما جعل من أحلام المشاريع العربية النهضوية محل إزعاج ومصدر قلق دائم ما جعل المناوئين للمشاريع العربية الحضارية بمختلف مستوياتها سواء أكان شأنا داخليا على مستوى الدولة العربية الواحدة، أم على مستوى الكتلة العربية، أو على مستوى الاتحاد العربي، وقبله «الاتحاد الخليجي» الذي أقض مضجع متآمرين سرعان ما انضموا في صورة عدائية معلنة إلى أعين متربصة بأمن العالم العربي والإسلامي قاطبة، وبأمن دول مجلس التعاون الخليجية بصورة خاصة، ووضع دول المجلس على قائمة الاستهداف نظرا لما تمثله المملكة ودول المجلس من ثقل عربي، وتأثير إقليمي على مستوى القضايا العربية والإسلامية، ودورها الفاعل في المنظمات والهيئات العالمية المختلفة، سعيا من دول المجلس إلى رأب الصدوع التي تشهدها خارطة العالم الإسلامي والعربي نتيجة الأزمات المتتالية التي تعصف بأمن واستقرار الشرق الأوسط.
السيادة وطوق النجاة!
بعد عقدين من محاولة احتواء توجهات الحكومة القطرية بلغة الإخاء والحوار داخل أروقة البيت الخليجي بعيد عن لغة التصعيد وبعيدا عن طرح توجهات النظام القطري في مجلس التعاون بشكل يفترض معه لغة الحسم وإشهار قرارات الردع نحو مواصلة الحكومة القطرية بأساليب تآمرية لزعزعة الأمن في دول مجلس التعاون وفي العديد من الدول العربية، ما جعل من النظام القطري يواصل أساليبه التآمرية التي ثبت تورط النظام القطري فيها بما تم إعلانه من اتصالات هاتفية، إلى جانب ما جنده النظام القطري من أذرعة أخرى تمثلت في استقطابه لزعيم جماعة الإخوان المسلمين ومن نهج نهجهم من فلول الجماعات المتطرفة الأخرى، التي وجدت الرعاية والدعم والمدد لفلولها الإرهابية خارج قطر، الذين تحولوا إلى أجندة لتنفيذ العمليات الإرهابية التي يديرها منظر الإخوان المصنف على قوائم الإرهاب يوسف القرضاوي، إلى جانب مؤسسات ضالعة في الأعمال الإرهابية في البيان الذي تم إعلانه، الذي ما تزال الحكومة القطرية تقابله بالصمت، فيما لا يزال وزير خارجيتها يتعامل مع البيان بالتعميم حينا وبالصمت والتجاهل حينا آخر على ما ورد فيه من أسماء لأفراد إرهابيين ولكيانات قطرية مدانة بالإرهاب بالأدلة التي ما يزال النظام في قطر الشقيقة يعتبرها جزءا من سيادته وشأنا داخليا صرفا، ما جعل من مقاطعة المملكة والإمارات والبحرين للنظام القطري أشبه ما تكون بطوق النجاة الذي يعد بمثابة جسر العودة إلى جادة المسيرة الخليجية، وكيان البيت الخليجي الذي تعد دولة قطر أحد أركانه التي ما تزال بقية أركان كياننا الخليجي تؤكد على النظام القطري بالتخلي عن احتضان الإرهاب ودعمه وتمويله أفرادا وجماعات ومؤسسات.
مفارق الضياع!
ما يزال الموقف القطري الرسمي يعتبر أن عدو التصعيد الدولي ضدّها من قبل أشقائها بأنه انتصار لموقفها، وبطلان للأدلة التي تدينها بدعم الأعمال الإرهابية وتمويل قيادتها وكياناتها الاثني عشر التي وردت في البيان الذي سمى الأفراد والكيانات بأسمائهم الذين تبنتهم قطر بطرق مباشرة وبأخرى غير مباشرة في الخفاء التآمري الذي بات مسرحا للتآمر للنظام القطري وأجندته التي وجدت فيه بغيتها، الأمر الذي خلق شراكة ممتدة بين تمويل رسمي من حكومة قطر، وتنفيذي عبر أجندة جماعة الإخوان خارج قطر، ومن خلال (12) كيانا تخطط للإرهاب وتنظر له، وتجيش له أجندتها الخاصة بعد أن اتخذت من قطر الشقيقة مركزا لتنفيذ مناشطها الإرهابية بدء بالأشقاء في دول الخليج العربية وانتهاء بالدول العربية والإسلامية، حتى تلك التي لم تسلم هي الأخرى من نيران الربيع العربي التي استغلته الجماعات الإرهابية وكياناتها لتكون أبرز أطراف اللاعبين في إدارة دفة الجحيم العربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، إلى جانب استكمال بقية الخارطة العربية عبر إرهاب التآمر وأجندته وخلاياه، فلم تزل شلالات الدماء وصور الدمار شاهدة على ممثلي الملالي وتنظيماته الإرهابية، فعبد الملك الحوثي، وحسن نصرالله خير شاهدين على ما يديرانه من فوضى عبثية وإرهاب، وهو التمثيل نفسه الذي ينتظر أن يلوح بارقه زعيم جماعة «أعدوا» التي تعني له ساعة تحرك تنظيمه في قطر الشقيقة، وتحريك أذرعة التنظيم وأجندته بالتزامن في العديد من الدول العربية لخلق مزيد من الفوضوية وخلط الأوراق كسبا للوقت وبحثا عن غطاء ومشتتات تلفت الرأي العربي والعالمي إليها.
الدوحة وعواصم إيران!
لم يكن لـ» مشروع التغوّل الفارسي» أن ينجح في شق طريقه للتغني بأن طهران لم تعد عاصمة مشروعها التوسعي بعد أن ضمت بغداد ودمشق وبيروت إلى عواصمها التوسعية، التي أرادت أن تضم إليها عاصمة خامسة في اليمن الشقيق، الذي استعادته (عاصفة الحزم) بقيادة المملكة، ومشاركة قوات التحالف لاسترداد اليمن من أحضان التمدد الفارسي، وأن تحفظ للشعب اليمني الشقيق بلده وأمنه، وأن تسترد شرعيته بعد أن تكشفت العديد من الأنظمة العربية التي لم تكن سوى أنظمة تآمرية على شعوبها وأوطانهم، الأمر الذي أكدته خارطة الربيع العربي التآمرية التي كانت امتدادا لخارطة الثورة الخمينية التي كان أبرز أذرعها الفاعلين الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وبشار الأسد، ومعمّر القذافي،الذين شنوا أبشع الحروب على شعوبهم في عداء سافر، ما جعل من أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني يكون - أيضا - أحد الأذرعة الخفية لثورة الخميني الفارسية، إذ ما يزال يشكل حجر الزاوية والقوة المؤثرة على القرار الرسمي في قطر، الذي لا يعني تنحيه من الحكم بأنه تنحى عن أحلامه التي ربما وجد لها متسعا من التخطيط والتنفيذ بعد أن أصبح الشيخ تميم في مواجهة الأزمة القطرية وما آلت إليه ليظل صمته سيد الموقف منذ أن تكشّف أول الأدلة التي كان الشيخ تميم فيها بمثابة رأس جبل التآمر، الذي كان قد نسج أغلبه وما يزال والده الذي جعل من ابنه في حالة صمت مطبق حتى يومنا هذا!
قطر وبوصلة الفوضى!
لا يمكن اليوم أن يتقبّل الشارع العربي على كافة المستويات الرسمية والشعبية بما تصر عليه حكومة قطر الشقيقة، وهو الأمر الذي أصبحت أدلته التي تدين النظام القطري على مسمع ومرأى من المشهد العالمي، ما جعل الوطن العربي في حالة ترقب لمبادرة النظام القطري في العودة إلى الكيان الخليجي «عمليا»، إذ لا يمكن لقطر الاستمرار في مشروع تآمري يقوده الساسة الخمينيين في إيران الذين وجدوا في موقف النظام القطري منذ سنوات ما شجعهم على مواصلة التقارب الفارسي القطري الذي استطاع أن يجعل من النظام القطري أداة فاعلة للهدم في الكيان الخليجي، لزيادة خلق أجواء الفوضى الربيعية في العالم العربي عامة، ولنقل صورة مختلفة من الربيع العربي إلى أرض قطر الشقيقة بعد أن تصدت عاصفة الحزم بكل حزم لمخطط الملالي في اليمن الشقيق، الأمر الذي سيجعل من قطر طعما سائغا أمام مد المشروع التوسعي الفارسي، الذي سيكون ضحيته الشعب القطري الشقيق ومقدراته الوطنية التي ستتحول فيه قطر الشقيقة إلى مشهد مأساوي من مشاهد جحيم التآمر، الذي بدت شواهده أدلة بينة على أرض قطر، متمثلا في أفراد مصنفون على قوائم الإرهاب، إلى جانب زعيم الإخوان المسلمين وأجندة التنظيم وخلاياه القابعة على أرض قطر، إلى جانب أجندة لاثني عشر كيانا إرهابيا، ما يجعل من هؤلاء مجتمعين في حالة من الترقب (الصفري) الذي سيجعل من أولئك الأفراد وجماعاتهم التنظيمية وكيانات الإرهابية بمثابة القنابل الموقوتة لإثارة الفوضى الداخلية التي سرعان ما ستكون مدعومة من خارج قطر بمدد الملالي وأبواقه لإدخال قطر بين عشية وضحاها في نفق المشروع التوسعي الفارسي، بعد أن ارتضى النظام القطري أن يكون في تقارب مستمر منذ سنوات مع المشروع الفارسي الذي سرعان ما ستتحول قطر فيه من شريك متآمر ، وأداة - في الوقت نفسه - من أدوات المشروع الفارسي، لتتحول قطر بين عشية وضحاها إلى مسرح خليجي ربيعي من مسارح التغوّل الفارسي، الذي يريد ضم الدوحة إلى عواصمه الملالية!