د. محمد عبدالله العوين
أثار الخطأ العفوي الذي وقع فيه المذيع محمد الذيابي لغطا كبيرا في نطق اسم مدينة «هامبورج» الألمانية التي تستضيف مؤتمر قمة العشرين الأقوى اقتصادًا في العالم وحولها إلى «هامبورجر» وزعم أيضا أنها عاصمة ألمانيا؛ وانقسم جمهور المتابعين إلى فريقين؛ قليل شامت مستنكر، وكثير عاذر متسامح، وتجلت المشاعر الإنسانية النبيلة في هاشتاق كبير تدفقت فيه عبارات المحبة والرفق والتشجيع والدعوة إلى الصمود ومواصلة البحث عن الصواب بعد الخطأ وعدم التأثر بتقريع اللائمين المحبطين.
ودعا المحبِطون إلى ضرورة إيقاف المذيع عن العمل، وبرروا إلحاحهم بأن المذيع واجهة إعلامية لثقافة وتحضر البلاد، ونطقه أسماء الأعلام والأماكن والمصطلحات خطأ أو محرفة يظهر ضعف تدريبه المهني وسوء إدارة جهازه الذي ينتمي إليه وقلة تحصيله العلمي وعدم اهتمامه بالقراءة والاطلاع على شتى المعارف والثقافات.
ولكن معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد بما يملك من حصافة وحكمة وتمكن إداري ومشاعر إنسانية فياضة أشاح بوجهه عن تلك الدعوات المتسرعة المندفعة التي تطالب بمؤاخذة المخطئ، ووقف إلى جانب المذيع الشاب الذي يسلك أولى مدارج الصعود في سلم العمل الإذاعي الطويل والشاق ويحتاج إلى التشجيع والدعم والتقويم والمتابعة، ودعا إلى استمراره في عمله وعدم التأثر بردود الفعل نتيجة للخطأ العفوي الذي وقع فيه.
أخي محمد الذيابي: لا تأس على خطأ عفوي وقعت فيه؛ سواء كان ذلك الخطأ في نطق الاسم أو في معلومة غير صحيحة، فيا طالما أخطأ المذيعون في كل محطات الإذاعة والتلفزيون في العالم، كبيرهم وصغيرهم، المتقدم منهم في المهنة والحديث الناشئ، فلا يقعد بالمميز منهم ما وقع فيه من خطأ؛ بل يواصل مسيرته ويطأ بقوة وثقة على الأشواك التي تعترض طريقه حتى لو أدمت قدميه، أما لو توقف وأوجس في نفسه أنه لن ينهض بعد كبوته فلن ينهض حقيقة.
والواثقون ممن يقعون في أخطاء يحولونها في لحظة ذروة تفاعل مشاعر الإحساس بالوقوع في الخطأ الذي قد يعني الفشل في المهنة عند بعض المتلقين إلى نكتة سريعة عابرة ويتبعها بابتسامة عريضة إن لم يستطع إصلاح الخطأ بإعادة اللفظة مصوبة، والمذيع الفطن يعلم حقا أن الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لا يمكن أن تعيدها وقد تكون قاتلة، ولكن العبرة بتخفيف أضرارها؛ إما بإعادتها صحيحة أو بالاعتذار الفوري.
ولأورد لك وللقراء الكرام أمثلة ظريفة مما وقعت فيه أنا ووقع فيه زملاء كثيرون من أخطاء كانت دافعا إلى مزيد من البحث والسؤال عن الصواب، وأصبحت فيما بعد طرفا مسلية تروى.
كنت أستهل نشرة الأخبار المحلية فقلت: أيها الساعة السادة الآن الرابعة عصرا!
وقرأ جميل سمان: وصل فيليب حليب المبعوث الأمريكي إلى لبنان، بدلا من حبيب!
وقرأ عوني كنانة: وصل جلالة الملك فهد وفي معدته، بدلا من معيته!
وفي أثناء التعليق على مبايعة الملك فهد -رحمه الله- قلت: يتشرف جلالته باستقبال المواطنين! والعكس هو الصحيح!
وقرأ ماجد الشبل: أيها السيدات والسادة أحييكم وأقدم لكم نخرة الأشبار!
وقرأ أحد الزملاء اسم رئيس الوزراء الياباني «ناكا سوني» بطريقة غير لائقة، بدون قصد طبعا وإنما خطأ من الطابع.
وقدم أحدهم أغنية عنوانها «آه ياقلبي» 51 يا قلبي!
وقرأ أحد الإذاعيين المصريين في إذاعة الرياض اسم مدينة «المجمعة» بالشدة على الميم الثانية والجيم معطشة باللهجة المصرية!
وقرأ الإذاعي المصري الكبير محمود سلطان اسم الرئيس أنور السادات: الرئيس المدمن! بدلا من المؤمن!
وبالمناسبة، لا بد أن أذكر شيئا من خفة دم وظرف جميل سمان؛ فحينما سمعني أنطق اسمي في مقدمة النشرة الإذاعية ثلاثيا قال: لن يكون العوين أطيب مني؛ فقدم اسمه رباعيا «جميل محمد علي سمان»!
وكان يجيد تركيب الكلمات في أثناء تقديم أية أغنية؛ مثلا: نحن وإياكم مع محمد عبده في سكة التايهين!