بعد أسابيع قليلة من إعلان القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في العاصمة الرياض إدانتها للنظام الإيراني، لاستمراره في دعم الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم أجمع، وقع عمل إرهابي في العاصمة الإيرانية طهران، صبيحة يوم الثاني عشر من رمضان 1438، استهدف من خلاله موقعين ذوا أهمية سياسية للدولة وقداسة دينية في وجدان أتباع المذهب الشيعي من دولة إيران، وهما ضريح الخميني الذي يحمل معنى رمزياً للنظام الإيراني، وله وقعه الخاص في نفوس المؤمنين بعقيدة ولاية الفقيه، والآخر البرلمان الإيراني مقر المؤسَّسة التشريعية وأحد كيانات السلطة الممثلة للشعب.
وبالرغم من اعتماد النظام الإيراني الإرهاب كأحد الأدوات المهمة في تنفيذ سياساته، إلا أن هاتين العمليتين الإرهابيتين قد أثارتا العديد من التساؤلات، ليس في الداخل الإيراني فحسب، بل أيضاً لدى العديد من الساسة والمحللين الاستخباريين وذوي الاهتمام بالشأن الإيراني، وذلك في محاولة لمعرفة المغزى الحقيقي لها، وحقيقة من يقف وراءها، بعد أن تبيّن أن منفذي الهجوم الإرهابي استطاعوا الوصول بسهولة لأحد أقوى المناطق تحصيناً بالعاصمة طهران، على مرأى ومسمع من قوات الأمن، وفي بلد طالما زعم قدرته على السيطرة الأمنية في جميع أنحاء البلاد على مدى عقدين من الزمن.
لا شك أن إعلان إدانة إيران لرعايتها للإرهاب في قمة الرياض، قد أقلق قادة إيران ودفع بصنّاع السياسات في الدوائر السرية العليا لها إلى البحث لإيجاد وسائل فاعلة لمواجهة هذا الواقع الجديد، في محاولة لإيقاف تداعياته، لا بالطرق الدبلوماسية فحسب، بل من خلال تبني عمليات سريه تدرأ عنها دعوى دعمها للإرهاب والتطرف، وتقنع المجتمع الدولي بوقوعها ضحية له، وهو ما سيعطي لها مبرراً في مواصلة تدخلاتها الإقليمية في العراق وسوريا واستمرار دعمها للجماعات الموالية لها في كلٍ من اليمن والبحرين وأفغانستان.
ولإقناع الرأي العام الداخلي والدولي بحقيقة ذلك، استخدمت إيران «تنظيم داعش» لتنفيذ تلك الهجمات الإرهابية، بزعمها أنه قادر على أن يضرب بهجماته في العمق الإيراني، بما يملكه من متعاطفين وخلايا نائمة فيها، مما يجعلها تبدو عرضة للإرهاب كغيرها من دول المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام، وهو ما أكده التنظيم مباشرة عند تبنيه مسئولية التفجير كأول عمل إرهابي في الداخل الإيراني، كما اختير للعملية مواقع تحمل رمزية هامة للدولة، يصعب الاقتناع بتضحيتها بها، بهدف التعمية والتضليل لإبعادها عن دائرة الشك ونفياً للتهم عن أجهزة الدولة السرية بضلوعها في ذلك، فضلاً عن كون أسلوب التنفيذ في مهاجمة ضريح الخميني لم يفض إلى إلحاق أضراراً تذكر به، إضافة إلى تعمد المهاجمين لنواب البرلمان عدم إطلاق النار عليهم بحجة تمتعهم بشعبية في الشارع الإيراني تشفع لهم.
وهنا يمكن القول بأن ّالعمليتين الإرهابيتين تلكما، غلب عليهما بصمات العمل السري الاستخباري لجهاز المخابرات الإيراني، الذي كان يهدف من خلالها محاولة إنكار رعاية إيران للإرهاب والتطرف، وتأكيد وقوعها ضحية له، وذلك لكسب أكبر قدر من التضامن الداخلي والدولي، وسعياً لكسر حدة الإدانات الدولية لها كدولة داعمة للإرهاب، إلا أن ذلك كله لن يمكن إيران من محو قناعة العالم بتاريخها الأسود في دعم الإرهاب ورعايتها له، مهما تتالت عملياتها السرية في محاولة لإقناع العالم بذلك.
** **
- د. عبدالعزيز الأسمري