خالد بن حمد المالك
عبثاً أحاول أن أعزل دولة قطر عن ثقافة الاختراق، وعلى ما تدّعيه عن تطفُّل الآخرين على أجهزة وكالة أنبائها، وأبعدها تماماً عن فهمها الخاطئ لممارسات الاختراق، وما ادّعته عن الحالة الاختراقية لنشر تصريح لأميرها، فلا أجد مسوغاً أو سبباً لتبرئتها بعد كل ما قالته عن اختراق هذا المجهول (اللعين) لوكالة الأنباء القطرية الرسمية، ووضعه تصريحاً مسيئاً باسم سمو أمير دولة قطر.
* *
الاختراق قد يحدث لدوافع سياسية وعسكرية وتجارية وغيرها ليؤذى بها الآخر، وهي ما لا يشملها أو ينطبق عليها اختراق تصريح أمير قطر، بحكم أنّ الاختراق القطري اختراق - أو اختراع!- من نوع آخر، اختراق من صُنع الأيدي التي تقيم في قطر، كما أن الاحتجاج عليه، ونفي ما نُسب إلى سمو الأمير هو أيضاً صنيعة قطرية وإن كان الاحتمال - ربما - بأيدٍ غير قطرية، ولكن بطريقة غير احترافية، وعمل بدائي لا يرقى إلى التوقف طويلاً لمعرفة مدى مصداقيته.
* *
إذاً نحن أمام اختراق جديد مصدره الدوحة، وثقافة اختراقية قطرية غير مسبوقة في هذا المجال، وربما فاجأتنا الدوحة بجديد اختراقي لها في المستقبل القريب، فقد استمرأت - على ما يبدو - مصطلح الاختراق، بل والاختراق المضاد، ومن يدري فقط تكون المفاجأة القطرية القادمة تجديداً وابتكاراً في الأساليب الاختراقية، بأكثر مما أحدثه فيروس (شمعون) وغيره من أضرار، فهذه قطر المهيأة للإضرار بنفسها، وبأقرب الأشقاء لها.
* *
أجل فنحن في زمن الاختراق القطري الذي يلوي عنق الحقيقة، وعلى موعد مع زمن الاختراق المفترض للفيروس القطري المخاتل الذي يكذب ثم يكذب، ويقول ثم ينفي، ويدعي ثم يهرب كي يتهرب من المسؤولية، كما حدث مع تصريح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي نُفي أن يكون قد صدر منه بعد الضجة وردود الفعل الغاضبة التي صاحبت تصريح سموه لوكالة الأنباء القطرية، والادعاء بأنه نُسب إلى الأمير دون أن يدلي به، أو يكون على علم ودراية به.
* *
لا يعنينا كل هذا، بما في ذلك التنصل الأميري (الشجاع) من التصريح، ونفيه على لسان أكثر من مسؤول قطري، وإلقاء التهمة على مجهول (مسكين) اخترق الوكالة ووضع التصريح الخطير بهدوء وسكينة على قائمة أخبارها الرئيسة، الذي يعنينا - ونكرره - أن نسمع من الشيخ تميم نفسه كلمة تاريخية مختصرة تسجل موقفه من محاور التصريح الذي نفته الدوحة، هل هو مع هذه المحاور بالتأييد، أم ضدها بالرفض، أم بين بين.
* *
الذي يعنينا أكثر وأكثر أن يقول لنا الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر إنّ سياسة قطر، وموقفها السياسي مخالف لكل ما ورد في التصريح، فهو إذا قال ذلك فهذا يعني أنه يتناغم وينسجم مع سياسات دول المجلس وتوجهات قادتها، وهذا هو المطلوب من قطر ومن أميرها، وإن اكتفى فقط بأنه لم يدلِ بهذا التصريح، فالأمر فيه قولان، وفيه ما فيه من الشك والربيبة في صحة أو عدم صحة الاختراق المزعوم، ومن الموقف القطري برمّته مما هي ضالعة ومتهمة فيه.
* *
أعرف أنّ المستفيد من هذه التطورات السلبية في علاقات قطر بشقيقاتها دول مجلس التعاون هي إسرائيل وإيران والإخوان المسلمين وحزب الله والحوثي وحماس وداعش والقاعدة ونظام بشار الأسد والمالكي في العراق ومن لفّ لفهم، ولكن من يقول إنّ هؤلاء لم يكونوا أيضاً مستفيدين من السياسة الإيرانية، ومن المواقف الإيرانية المشبوهة التي تسيء إلى دول الخليج بأكثر مما تفعله إسرائيل، إذا ما نظرنا إلى تدخلها في الشؤون الداخلية لدولنا، ودعمها للعناصر الإرهابية فيها، وأطماعها في إقامة امبراطورية فارسية على أراضينا.
* *
أسأل من يقرأ لي، أليس أمير قطر هو من يزور قطاع غزة، ويستقبل أو يستضيف أعداداً من قادة حماس، وهو - لا غيره - من يتناغم مع المواقف والسياسات ووجهات النظر مع إيران، وأنه من يرى أن ليس من الحكمة أن نعادي إيران رغم كل جرائمها، لأنها على حد زعمه دولة إسلامية كبرى، وهو مع إسرائيل، ومن أعلن أنه على علاقات جيدة معها، وللعدو الإسرائيلي - كما نعرف - تمثيل سياسي في قطر، وهكذا يمكن أن نقول عن السياسة القطرية، في علاقتها بالحوثي ونصرالله والمالكي وداعش والقاعدة وبشار الأسد، أما «الإخوان المسلمين» فهذه قصة أخرى.
* *
أي أننا إلى اليوم أمام تطابق بين ما جاء في التصريح، وما نراه على الأرض القطرية، بلا تجنٍّ منا، أو قدرة على الإنكار من الجانب القطري، والحل لهذا الإشكال المتكرر بين قطر ودول مجلس التعاون، أن تتخلى الدوحة عن تذاكيها، فلا تظهر لأشقائها ما لا تبطن، خصوصاً وأن حركاتها المضرة بدول المجلس لا يمكن أن يخفيها نفي لتصريح، أو ادعاء بالاختراق على الطريقة القطرية.
* *
إننا نتطلع من الدوحة اليوم قبل الغد أن تمتلك إرادتها وقرارها، وبالتالي فلا ترتهن لعناصر أو دول يزيِّنون لها المستقبل بما لا يمكن أن يتحقق، في مؤامرات خبيثة القصد منها إيقاعها في الفخ الذي يقصيها عن أشقائها، ومن ثم يضعفها، وهي الضعيفة أصلاً بدون المملكة وبقية دول المجلس، وهو ما يجب ضمن مسؤولياتنا وحبنا لقطر أن ننبه الدوحة إليه، ونحذِّرها منه، فما يدبر لقطر أخطر بكثير مما تدركه القيادة القطرية ذات الأفق المحدود في التعاطي مع السياسة، أو معرفة ما يدور في الخفاء.
* *
وبعد كل هذا السجال الهادئ مع الدوحة، فنحن لم نفقد الأمل بعد بأن تأتي اللحظة التي تراجع قطر فيها كل مواقفها السابقة والحالية، وأن تبدأ عهداً جديداً تكرس فيه مبدأ انسجامها مع شقيقاتها دول الجوار العربية، فالقضية أخطر من تصريح للأمير قيل عنه إنه تصريح مدسوس، وأن وكالة الأنباء القطرية استقبلته عن طريق الاختراق، ففكروا أحبابنا في قطر بما يدبر ضد مصالحكم، ويُخطط من مؤمرات ضدكم، فلا زال هناك متسع من الوقت للتفكير الجاد، والعمل الصحيح، وبالتالي التراجع عن كل ما يشوب السياسة القطرية من ممارسات غير مقبولة، أو مواقف تفتقر إلى الحكمة وبُعد النظر.