عمر إبراهيم الرشيد
أعجبني وصف الروائي الإيطالي امبرتو ايكو مؤلف رواية (اسم الوردة) لوسائل التواصل الاجتماعي ومايدور فيها من كتابات وإسهامات مئات الملايين من البشر حين قال (أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من الشراب، دون أن يتسببوا بأي ضرر على المجتمع، كان يتم إسكاتهم فورا، إنه غزو البلهاء)، والجملة الأخيرة أكثر ما أعجبني في حديث هذا الروائي الكبير . وفي رأيي أن هذه الوسائط بقدر ما تحتويه من منافع وتواصل بين أصحاب الميول والاهتمامات المتشابهة وكذلك الأصدقاء والأقارب، بقدر ما تكشف السطحية والإسفاف مشكلة وسائل (تفاصل اجتماعي) لدى فئات من البشر في منطقتنا خصوصا، مع عدم الإقلال من جهود وإسهامات راقية مثل أصحابها فلا نقع في التعميم لأن التعميم جهل وظلم، فهناك الراقون فكرا وثقافة وحسا اجتماعيا.
ولاحظوا أنه مع أي أزمة طارئة أو حدث سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، يتم التعاطي معه والأخذ والرد والكتابة من قبل الملايين بأساليب تنم عن السطحية والعاطفة المغيبة للتفكير المتزن، يطبعها الفئوية والمناطقية والشعبوية على حساب المجتمع والوطن، إلا من رحم ربي فرزقه الله النأي بالنفس عن الدخول في مهاترات وبذاءات وإسفاف وصراخ لايخدم الحقيقة والناس، فلو خليت خربت كما تقول الحكمة، ولاتعدم هذه الأمة من الشرفاء وذوي العقول والنهى ولو قلوا
وفي رأيي أن هذه الوسائط على ميزاتها وفوائدها لمن لديه الحس الحضاري والوعي ليحسن استخدامها، إنما سوف يتراجع هذا الزخم ، فلابد أن يأتي الوقت الذي تصبح فيه هذه الوسائل أقل شأنا مما هي عليه الآن، إما بظهور مايشغل الناس والبشر عنها ولو جزئيا، أو بسبب الملل الذي سوف يبدأ بالتسرب إلى قطاع عريض من مستخدميها وهذه من طبيعة البشر على مر الزمان . بل إنه من المعلوم حتى في النصوص الشرعية وكذلك لدى كثير من المفكرين والعلماء أنه سوف يأتي زمن تعود فيه البشرية إلى الوراء دون هذه المخترعات والإمكانيات والرفاهية التي هي عليها الآن.
أمس الأول حل هذا الموسم العظيم والمدرسة الكبرى التي فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين وشرفهم باتباع هديها، من كبح جماح هذه النفس البشرية المجبولة على النقص وكل ما يعتريها من نوازع ورغبات وأطماع . وسعيد من يغتنم هذا الموسم ليعيد درس واستجلاء هذه المعاني والقيم التي تقدمها هذه المدرسة العظمى، فلا يصوم لكي يهجم عند الأذان على الطعام فيفسد ماجناه بدنه من ضبط صحي، ولا يعبس ويتبرم في عمله أو في الشارع أو حتى في المسجد بحجة أنه صائم، ويحاول التعلم من صيامه لضبط سلوكه المروري والاجتماعي والشخصي، من بدء ترك التدخين إن كان مدخنا أو تعاطي مايدمر العقل والبدن من أي نوع كان . هذه المدرسة السنوية العظمى يحسن بنا أن نعاود حسنة هجرناها ونترك سيئة تهاونا أو اعتدنا ارتكابها، وتكون وسائل التواصل تلك على اسمها لا وسائل تفاصل، ولا تأخذ من أوقاتنا واهتمامنا جلهما وأن تكون وسائل بأيدينا لا أن نكون عبيدا لها، تقبل الله صالح أعمالكم وكل عام وأنتم بخير .