عبدالحفيظ الشمري
تعد «سفرة الطعام الرمضانية» حالة اجتماعية مميزة، ومشهداً إنسانياً فريداً.. تتحد فيه أعمال الخير بين الناس، ليعدوا مع غروب يومهم موائدهم الرمضانية المنوعة، أمام بيوتهم، أو قرب المساجد، لتستقطب هذه الموائد صُوَّاماً محتسبين، وقد يكونوا غرباء عن أهلهم وفي هذا المكان الذي تقام فيه، ليعم مظهر الجود في هذه الأيام الرمضانية المباركة.
فقد كانت هذه المناسبة في عقود سابقة بمدلول محدد، وإطار واضح، غاية في البساطة والألفة، بل هو درس عظيم من دروس شهر رمضان الكريم؛ إذ ينشد الجميع التواصل، والسخاء، والإخاء، والمساعدة على قضاء الحاجات، وسد رمق الجياع، وإطفاء عطشهم .. بل إنها فرصة نادرة أن يجتمع العشرات من هؤلاء الصائمين؛ ليشتركوا معاً بتناول الطعام مع من سواهم، فكانت هذه المائدة في السابق بسيطة جداً؛ وغير متكلفة، ويراد منها المشاركة الوجدانية مع من هو غريب وعابر سبيل في البادية والقرى والمدن في سائر بلادنا.
ومن المؤكد أن البلاد الإسلامية تشترك معنا في هذه العادة السنوية؛ احتفاء بهذا الشهر الكريم، إلا أنه قد تكون بسيطة في تكوينها المادي، بعكس ما لدينا من موائد رمضانية تتضاعف فيها أصناف الأطعمة والمأكولات التي قد تزيد أحياناً عن الحاجة، لا سيما ما هو أمام البيوت، وقرب المساجد التي يقصدها الكثير من الناس بغية البحث طعام آخر، أو عمن يتصدق ويبذل العطاء في ليالي هذا الشهر الكريم.
وما يلاحظ في العصر الحديث أن عادة الإفطار الرمضاني الجماعي شهدت الكثير من التحولات النوعية والشكلية، ومرت بمنعطفات بحسب التطور الإنساني والمادي في المجتمع. بل إن الكثير من هذه العادة صارت إلى ما يشبه الظاهرة السنوية التي يجدر الاهتمام بها، ومتابعتها وتقييم أدائها وتطوير منهجها من أجل التقليل من سلبيات الممارسات حولها إن وجدت. مع طرح مفهوم جديد لتكوينها، وتقديم ما يحقق الفائدة المرجوة منها.
فقد توصلت إحدى الدراسات الميدانية والاستبانات المسحية إلى أن هناك من يأتي إلى هذه الموائد الرمضانية وهو غير محتاج، على نحو أمثلة العمال والسائقين والعزاب، وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن هناك من يفطر وهو لا يؤدي الصلاة، أو أنه يأتي لمجرد البحث عن دعم مالي؛ قد يدفعه الموسرين في مثل هذه الليالي المباركة، لتؤكد لنا هذه الوقفات الميدانية أن هذه العادة الرمضانية أثمرت وحققت أهدافها في سنوات سابقة، أما اليوم فإنها لم تعد مجدية في ظل توفر النعم، والخيرات، والأطعمة على مدار العام.
إلا أن ما تؤكد عليه هذه المشاهدات أن من يقومون بأعمال البر والبذل فيها يفترض بهم - بشكل عام - أن يكون نشاطهم الخيري طوال العام، وليس منصبا على أيام معينة فيه على نحو أيام رمضان ولياليه.. فرجال الأعمال والمال حري بهم وواجب أن يمدوا يد العون والمساعدة للمحتاجين قبل هذا الشهر المبارك أو بعده!.