عبدالعزيز السماري
نشرت بعض وسائل الإعلام أن منتجي الحليب والألبان في المملكة، ادّعوا في خطاب وجهه رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية إلى إمارة الرياض، أنهم تعرضوا في الآونة الأخيرة إلى إساءة لسمعتهم التجارية واتهامهم باستخدام مواد ضارة في منتجاتهم من مواطنين ومقيمين.
وتم توجيه الدعوى ضد مواطن، وتهمته قيادة حملة الإساءة والتضليل ضد منتجاتهم وأنها خلف ارتفاع نسب هشاشة العظام، ونقص الكالسيوم، وأمراض السرطان وخشونة المفاصل والصداع المزمن.
يبدو أن في الأمر لبساً وعدم وضوح، فالمختلف فيه علمياً هو حول صحة شرب حليب الحيوانات خاصة البقر للبالغين، وليس حول منتجات شركات الألبان السعودية، وكان الموضوع قد تفجّر علمياً بعد أبحاث علمية كانت نتيجتها أن شرب أكثر من ثلاثة أكواب من الحليب يومياً قد لا يحمي العظام من الكسر، وربما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الموت بسبب زيادة نسب الإصابة بأمراض العصر.
وكان ذلك ضمن تحليلات علمية لدراسة سويدية نُشرت في عام 2014 في مجلة علمية، من خلال تقديم مجموعة من الرجال ومجموعة من النساء لاستبيانات غذائية حول مقدار كمية الحليب التي يشربونها، ثم تمت متابعتهم لمدة 20 سنة في المتوسط، ودرس الباحثون ما إذا كان مقدار الحليب الذي يشربونه مرتبطاً بكسور أو موت أثناء المتابعة.
في النساء، كان شرب أكثر من 200 غرام من الحليب يومياً (أقل من كوب واحد) يرتبط بزيادة خطر الموت أثناء المتابعة، وتراوحت هذه المخاطر المتزايدة من 21 في المائة، لكأس واحدة أو اثنتين، إلى خطر 93 في المائة لمدة ثلاثة أو أكثر، وارتبط أكثر من كوب واحد يومياً بزيادة خطر الإصابة بالكسور لدى النساء. لم تكن هناك صلة واضحة مع أي وفاة مبكرة أو كسور في الرجال.
كان هذا البحث العلمي وبحوث أخرى مثاراً للجدل العلمي، وما زال الأمر بحاجة إلى دراسات علمية غير منحازة أو مدعومة من الشركات، وهو ما قد يؤثر على مصداقية النتائج، لكنه سيظل يخضع للرأي والرأي الآخر في ظل اختلاف الحقيقة العلمية، ولهذا السبب أعتقد أن رفع قضية أو تقديم شكوى ضد المواطن ليس عملاً موضوعياً، بل تشخيصاً خاصاً لقضية المصالح التجارية ومحاولة لفرض الرأي الذي يخدم المصلحة التجارية.
وفي المملكة نحتاج على وجه التحديد إلى أبحاث علمية في هذا الشأن، فحسب بعض الأبحاث الإحصائية ترتفع نسب هشاشة العظام ونقص فيتامين دي بين البالغين، خاصة النساء في السعودية، في ظل الارتفاع المذهل لنسب استهلاك الألبان والحليب خلال الأربعة عقود الماضية.
في قضايا مشابهة، تحدث الكثير عن مضار بروتين الجلوتين في القمح والشعير والشوفان، وخرجت أبحاث علمية تتحدث عن خطورة الحساسية من الجلوتين عند البالغين، وهل يعني ذلك أن ترفع صوامع الغلال والمخابز الشهيرة شكوى ضد من يتبنى الموقف العلمي من مادة الجلوتين وخطورتها على الصحة عند البعض.
هناك عشرات المواقع العلمية وغير العلمية، التي تتبنى مواقف مختلفة ومتناقضة في قضية الغذاء، والموقف من القمح ومنتجات الألبان وعلاقتها بأمراض العصر كالسكر والضغط، ولم نسمع عن دعوات قضائية ضد هذه المواقع، ولم يستنجد أصحاب المصالح والشركات بالسلطة لقمع الرأي الآخر أو إبراز البحث العلمي الذي يتناقض مع ما يروجون له.
لهذا السبب تظل بعض الأبحاث العلمية المدعومة من قبل شركات الأدوية أو الشركات الغذائية محل شك في دوائر المحيط العلمي، ولا تحظى بكامل التقدير العلمي لنتائجها، ولعل موقف شركات الألبان المحلية يفسر بعض من تلك العلاقة التي تريد أو تحاول فرض رأي علمي محدد لخدمة مصالحها التجارية.
لا توجد قضية ضد المواطن، فهو يتحدث عن رأي له ما يسنده علمياً، ويظل الخيار في نهاية الأمر للمستهلك ورغباته.